في السنوات الأخيرة، ومع انفتاح منصات التواصل، لم يعد الموت لحظة صمت، بل مشهدًا عامًا مفتوحًا على كلمات الجميع، من العوام والمحبين.. إلى أدعياء الثقافة والمجتمع المخملي.. حين يُعلن عن وفاة شخصية مشهورة تتدافع التغريدات والمنشورات، وتتكرر عبارات التعزية المتعارف عليها شرعًا: «رحمه الله، غفر الله له، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة..»، لكن ما يلفت النظر هو ظهور عبارات دخيلة، لا تنتمي إلى تراثنا الديني ولا إلى ثقافتنا الروحية، مثل: «نم بسلام، لروحك السلام، وداعًا أيها الجميل، فعلها وغادر». تعبيرات شاعريّة ظاهرها الرقة، وباطنها فقر في المعنى، وفرار من الموقف.. الموت في التصور الإسلامي ليس ختامًا فنيًا أو فاصلاً بلاغيًا، بل هو وقوف بين يدي الله، انتقال من دنيا فانية إلى حياة برزخية تبدأ بالسؤال والحساب، فلماذا يتحرج بعض من يصفون أنفسهم بالمثقفين من الدعاء؟. ولماذا يُستبدل الرجاء بالمفردات الفارغة التي لا تُغني ولا تُنفع؟، الخوف من الشعبوية، أو الرغبة في الظهور بلغة نخبوية، قد يدفع بعضهم لتجنب الأدعية المأثورة، لكن هل يستحق الميت أن يُرثى بعبارات مستوردة لا تعرف حرمة الموت ولا رهبة الرحيل؟!. وهل أصبح الدين في وعي بعضهم ثقافة تراثية تناسب العامة، بينما النخبة لها سلامات رمزية بلا أثر؟!، لا بأس بالكلمة الجميلة إذا حملت مضمونًا صادقًا، لكن حين تتحوّل المآتم إلى مسارح بلاغية، والموت إلى منشور مزيّن، فإننا نخسر المعنى في سبيل «الترند»، في النهاية لا نُطالب الجميع بأن يكونوا وعّاظًا، لكننا نُذكّر أن الوقوف على رثاء ميت، لا يحتاج بلاغة.. بل خشوعًا، ودعاءً، وصدقًا.