نفخر بها.. لأنها ليست حروفًا تُنطق، ولا ألفاظًا تُسطَّر، بل روحٌ تحيا، وهويةٌ تبقى، وبيانٌ يشهد على حضارةٍ تنبض بالحياة، بها صيغ الفكر، وارتقى المعنى، وتجلت الفصاحة في أبهى صورة، لغةُ القرآن، ووعاءُ الحكمة، ومهدُ المعرفة، حفظت التاريخ، وصانت الهوية، وحملت رسالة الأمة عبر العصور. اللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل رسالة تمتد ما امتد الزمان، إذا نطقت أبهرت، وإذا كُتبت أسرت، وإذا فُهمت أنارت. بيانٌ لا يُجارى، ولسانٌ لا يُبارى، ووعاءُ فكرٍ لا يُضاهى، بها تتشكل المعاني وتسمو المقاصد. اكتسبت العربية مكانتها السامية حين اقترنت بالقرآن الكريم، فغدت لغة الوحي ولسان الهداية ومفتاح الفهم. بحرٌ زاخر وكنزٌ فاخر، تجمع بين عمق الدلالة وجمال العبارة.. فيها من الاشتقاق ما يولِّد المعاني، ومن البلاغة ما يأسر القلوب، لغة العقل حين يفكّر، ولغة القلب حين يشعر. بها شُيِّدت الحضارات، وصيغت المعارف، ودونت العلوم، فكانت لسان الطب، وعنوان الفلك، ومفتاح الفلسفة، ومنارة الأدب. بها كتب العلماء، وناظر الفقهاء، وتأمّل الحكماء. ليست ماضيًا يُستدعى، ولا تراثًا يُروى، بل حاضرا يُعاش، ومستقبلاً يُبنى.. تواكب العصر، وتجاري التطور. لا تُختزل في كونها مادة تُدرس فقط، بل تُبنى بها الأفكار، ويتشكّل بها الوعي، من أتقنها أحسن الفهم، ومن أحسن الفهم أحسن الحكم، ومن أحسن الحكم ارتقى في مدارج العلم والمعرفة. أخذت من غيرها وأعطت، وتأثّرت وأثّرت، فدخلت مفرداتها لغات العالم، وبقيت قادرة على الحوار دون أن تفقد ذاتها، وعلى التجدد دون أن تنسلخ من جذورها. وفي زمن التقنية الحديثة، تثبت العربية أنها لغة قابلة للتحديث والتجديد، متى ما وُجد من يؤمن بها، ويكتبها بوعي، ويستثمرها في فضاء الإعلام والمعرفة الرقمية، فاللغة لا تشيخ إذا جُدِّدت، ولا تموت إذا استُخدمت، ولا تضعف إذا اعتُزّ بها. خدمة اللغة العربية ليست ترفًا ثقافيًا، بل واجبًا حضاريًا، ومسؤوليةً تعليمية، وأمانةً فكرية.. تبدأ من الأسرة، وتترسّخ في ميادين العلم، وتُخلّد في النتاج الأدبي والفكري. وخلاصة القول، تظل اللغة العربية نورًا لا يخبو، ونهرًا لا ينضب، وكنزًا لا يفنى.. من نهل منها ارتوى، ومن سار بها اهتدى، ومن جعلها لسانه وفكره ووجدانه، كتب اسمه في سجل الخلود، وبقي أثره ما بقيت، لغة البيان، ولسان الحضارة، وحديث الزمان والمكان. لغة العروبة مصدر الأمجاد وبها استنار الكون بعد رُقاد وبها بنينا العلم في أوج العُلى لما تفرق فِكر كل بلاد هي ليست الأمس الذي قد غاب في ذكرى الزمان وعابر الأبعاد بل نَبضُ حاضرِنا ومشعلُ نهضةٍ وبها تُصانُ هويةُ الأجداد