في سباق عالمي تتنازع فيه القوى التقنية على السيطرة على عصب الثورة الرقمية، تبدو الرقائق الفائقة تلك المعالجات الدقيقة التي تشغل الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي بمثابة «نفط العصر الحديث». وفي هذا المضمار، تعيش اليابان مرحلة دقيقة بين ماضٍ ذهبيٍّ كانت فيه رائدة صناعة الإلكترونيات، وحاضرٍ تتقاسمه تايوان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة في إنتاج الشرائح المتقدمة بدقة 3 و2 نانومتر. رغم تراجعها في تصنيع الشرائح المنطقية المتطورة، فإن اليابان لم تخرج من المعادلة، فهي اليوم العمود الفقري الخفي لصناعة الرقائق العالمية؛ إذ تهيمن شركاتها على أكثر من نصف سوق المواد والمعدات الضرورية للتصنيع، مثل الألواح السيليكونية عالية النقاء والمحاليل الكيميائية، وعدسات الطباعة الضوئية ومعدات الاختبار الدقيقة. إنّ مصانع مثل (Tokyo Electron) و(Shin-Etsu) و(Sumco) و(JSR) تمد كبريات الشركات في تايوان وكوريا والولايات المتحدة بالمواد التي لولاها لما رأت الرقائق النور، ومع ذلك، أدركت طوكيو أن البقاء خلف الستار لم يعد كافيًا في زمن «السيادة التقنية»، فجاء مشروع (Rapidus)، المدعوم من الحكومة اليابانية وشركات محلية كبرى، بالتعاون مع (IBM) و(Imec)؛ ليعيد اليابان إلى مسرح الإنتاج الفعلي. يهدف المشروع إلى تصنيع رقائق بدقة 2 نانومتر بحلول عام 2027، في خطوة تراها اليابان ليست مجرد عودة اقتصادية، بل استعادة للكرامة الصناعية وموقعٍ متقدم في سلاسل القيمة العالمية، اليوم، لا تزال الرقائق الفائقة للجوالات تنتج في مصانع (TSMC) و(Samsung)، لكن اليابان تمهّد طريقها بثقة نحو المستقبل، فهي تملك المواد والعلم والانضباط الصناعي، وتفتقر فقط إلى عامل الزمن والخبرة التشغيلية لإعادة موطئ قدمها في قلب المعركة التكنولوجية الكبرى. باختصار: كانت تايوان تصنع الرقائق، وكوريا تسابق في الأداء، فإن اليابان تصنع القدرة على صنعها، وموقعها من الإعراب اليوم؟ - فاعلٌ مؤجَّل، لكنه قادم بقوة.