لم يعد الشرق الأوسط يبحث عمّن يفسّر مواقفه أو يصوغ له مستقبله. المنطقة اليوم مختلفة؛ أكثر ثقة، أكثر حضورا، وأكثر قدرة على فرض أولوياتها على العالم. فالشرق الأوسط، الذي كان يُقدَّم للعالم باعتباره ساحة أزمات، أصبح اليوم مركز قرارات، ومحور جاذبية سياسية واقتصادية لا يمكن للقوى الكبرى تجاوزه.. أنه إقليم يتحرك... وعالم يُعيد حساباته. بينما يعيش العالم حالة ارتباك جيوسياسي، تتصرف دول المنطقة كأنها صاحبة المبادرة. قمم متتابعة، اجتماعات رفيعة، رؤى اقتصادية عابرة للحدود... كل ذلك يعكس مشهدا جديدا: الشرق الأوسط لم يعد يتلقى التوجيهات بل يحدد اتجاهاتها. والواضح أن القوى الدولية الكبرى من واشنطن إلى بكين تدرك أن تجاهل المنطقة يعني خسارة نصف المشهد العالمي.. والقمم الخليجية والعربية... من الدبلوماسية إلى هندسة الواقع. ما يحدث في قمم البحرين والرياض وأبوظبي والقاهرة يتجاوز إطار البروتوكول؛ إنه بناء متدرّج لخارطة نفوذ جديدة. الرسائل الأساسية واضحة: • القرار العربي يعود إلى مركزه الطبيعي. • التنسيق الخليجي أصبح نموذجا للاستقرار. • والفوضى لم تعد خيارا مطروحا. أعتقد أنها مرحلة تؤكد أن صوت المنطقة لم يعد واحدا من أصوات كثيرة... بل أحد الأصوات القليلة التي يعاد ترتيب العالم على أساسها.. وحلّ الدولتين... من واجب سياسي إلى شرط استقرار عالمي. عاد حلّ الدولتين إلى الطاولة الدولية ليس بدافع العاطفة أو المجاملة، بل لأن الكل بات يدرك أن لا شرق أوسط آمنا دون دولة فلسطينية مستقلة. تحركات العواصم العربية، ووضوح خطابها، وتجدد اهتمام المجتمع الدولي، كلها تؤكد أن هذه القضية أصبحت مفتاح الاستقرار وليس ملفا جانبيا. واقتصاد جديد... يُربك التوقعات الدولية، من الطاقة النظيفة إلى التعدين إلى الصناعات الدفاعية والتقنية، يسجّل الشرق الأوسط والخليج تحديدا قفزة اقتصادية تغيّر قواعد اللعبة. فالمنطقة لم تعد تعتمد على النفط بوصفه موردها الوحيد، بل جعلت منه منصة لانطلاق اقتصادي يربط الشرق بالغرب ويحوّل الخليج إلى مركز اقتصادي دولي يصعب تجاوزه. اليوم، الاقتصاد هو الذراع التي تمسك بها المنطقة بمقود السياسة الدولية. وزمن الجرأة... لا زمن المجاملات. للمرة الأولى منذ عقود، تتحدث دول المنطقة بلغة واضحة: • لا بدائل عن الاستقرار. • لا مساحات لحروب الوكالة. • لا شراكات بلا مصالح متبادلة. • ولا أدوار ثانوية بعد اليوم. إنه شرق أوسط أكثر صراحة، أكثر جرأة، وأكثر قدرة على فرض مصالحه. الخاتمة: الشرق الأوسط الذي يصنع المرحلة ما يجري ليس مجرد موجة أحداث، بل تأسيس لشرق أوسط جديد يصوغ العالم من خلال تحركاته، ويعيد ترتيب التوازنات الدولية وفق رؤية عربية لا تعتذر عن قوتها ولا تتردد في إعلان طموحاتها. إنه شرق أوسط يكتب فصله القادم بنفسه... ولن يعود لما كان عليه.. من زمن مترهل.. بأحداثه وتطوراته .. إنه زمن سعودي.. يقود العالم.