تتواصل الحرب في السودان منذ أكثر من عامين، بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط تعقيدات سياسية واجتماعية واقتصادية تجعل مسارها أكثر دموية وعبثية. وفي الوقت الذي يترقب فيه السودانيون أي بارقة أمل لإنهاء القتال، تبرز أصابع تنظيم الإخوان كأحد أبرز العوامل التي تغذي استمرار الحرب، وفق ما أكده مراقبون وخبراء سياسيون واقتصاديون. وهذا الدور، الذي يرى فيه محللون امتدادًا لمشروع إخواني قديم، يُسهم في تعطيل كل جهود التسوية ويضاعف من المأساة الإنسانية، لا سيما في دارفور التي تحولت إلى ساحة حرب مفتوحة. مشروع قديم وحدد مراقبون أسبابًا رئيسية تجعل تنظيم الإخوان يقاوم كل الحلول الساعية لوقف الحرب منذ اندلاعها في منتصف أبريل 2023. أبرزها ارتباط فكر التنظيم بمبدأ العنف، وسعيه لاستعادة السلطة، والحفاظ على نفوذه داخل الجيش، إضافة إلى خشية قياداته من محاسبتهم على الجرائم المرتكبة في الماضي. وفي حديث لموقع «سكاي نيوز عربية»، وصف الوزير الأسبق بوزارة الخارجية السودانية مهدي الخليفة الحرب بأنها «امتداد لمشروع إخواني قديم»، مشيرًا إلى أن التنظيم يتبع إستراتيجية طويلة الأمد تقوم على إضعاف القوى المدنية وإعادة إنتاج شبكات النفوذ والموارد. وأضاف أن استمرار الحرب يشتت جهود المجتمع المدني ويعطل بناء تحالفات وطنية قادرة على مواجهة المشروع الإخواني، مؤكدًا أن العقل السياسي للتنظيم قائم على «استدعاء الحرب باسم الدين، ثم ترك الشعوب تواجه الموت والخراب وحدها». السيطرة العسكرية وبحسب الضابط والباحث العسكري محمد نور، فإن الإخوان عملوا منذ استيلائهم على السلطة عام 1989 على إحكام قبضتهم على الجيش عبر عمليات إحلال وإبدال ممنهجة، وهو ما جعلهم طرفًا مؤثرًا في قرارات الحرب. ويتفق الباحث الأكاديمي الأمين بلال مع هذا الطرح، مؤكدًا أن بناء جيش مهني ومستقل يشكل التهديد الأكبر لمشروع التنظيم، إذ إن استقلال المؤسسة العسكرية يعني نهاية استخدام الجيش كأداة للوصول إلى السلطة عبر الانقلابات. دارفور: مركز النزيف الإنساني ومع تجاوز الحرب 900 يوم، تحولت دارفور إلى واحدة من أكثر مناطق السودان تضررًا. وأفادت الأممالمتحدة أن 91 مدنيًا على الأقل قُتلوا في مدينة الفاشر خلال عشرة أيام من سبتمبر الماضي نتيجة هجمات قوات الدعم السريع، التي استخدمت المدفعية والطائرات المسيّرة والغارات البرية. كما شهدت المدينة مجازر متكررة، أبرزها هجوم صاروخي أوقع 16 قتيلًا بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى قصف مسجد وسوق شعبي خلّف أكثر من 85 قتيلًا. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فقد أودت الحرب السودانية حتى الآن بحياة ما لا يقل عن 40 ألف شخص، فيما نزح 12 مليونًا داخليًا وخارجيًا. ويواجه 24 مليونًا آخرين انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، بينما يعيش سكان دارفور حصارًا خانقًا يمنع وصول الغذاء والدواء. شهادات من الميدان وأشارت منظمة «أطباء بلا حدود» إلى أن مستشفياتها في طويلة تستقبل مئات الفارين من الفاشر، معظمهم مصابون بجروح خطيرة أو يعانون من سوء التغذية والجفاف. وقالت الطبيبة منى حنبلي، إن النازحين يضطرون لدفن أقاربهم في الطريق أثناء الهروب، في مشهد يعكس المأساة الإنسانية المتفاقمة. كما رصدت لجنة حماية الصحفيين انتهاكات واسعة ضد الإعلاميين في دارفور، من بينها الاعتقال والاغتصاب والاعتداءات الجسدية. وأكدت أن قوات الدعم السريع تستخدم مخبرين محليين لتحديد أماكن الصحفيين، ما جعل التغطية الإعلامية في غاية الخطورة.