في ظل الانتشار السريع لمنصات التواصل الاجتماعي، ظهر مؤخرًا على تطبيق «تيك توك» ما يمكن وصفه بظاهرة جديدة تتعلق ببث العاملين أثناء تأدية مهامهم اليومية، لا سيما العاملات المنزليات، ومحاسبي المطاعم، وموظفي توصيل الطلبات وغيرهم. وفي نظري، هذه الظاهرة تعكس حاجة حقيقية لدى كثير من هؤلاء الأفراد للتواصل والتعبير عن أنفسهم خصوصًا في ساعات العمل الطويلة والتي يكون فيها انتظار، وربما محاولة كذلك لتحسين دخلهم عبر الهدايا الرقمية التي يتلقونها من المتابعين. لكن، وبالرغم من ذلك، أرى أن ما يحدث يحمل في طياته انتهاكًا خطيرًا للخصوصية وعبثًا بالمهنية التي يجب أن تسود بيئة العمل. من المهم أن نفهم أن البث المباشر في هذا التطبيق لا ينبغي أن يكون فقط أداة للتسلية أو جني المال، بل يجب أن يحترم خصوصيات أصحاب العمل والعملاء. ومع الأسف، كثيرًا ما نرى من خلال المقاطع المنتشرة صورًا لأماكن العمل وتفاصيل يجب ألا تظهر للعلن، وحتى معلومات حساسة مثل مواقع المنازل ووجوه أطفال، وهذا أمر يشكل خطرًا قانونيًا وأخلاقيًا لا يمكن تجاهله. في نظري، المشكلة ليست فقط في تصرف العامل نفسه، بل في غياب الرقابة الحقيقية داخل أماكن العمل على استخدام الهواتف المحمولة، فضلاً عن عدم وجود سياسات واضحة توجه العاملين حول حدود ما يمكن مشاركته عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. كما أن تقصير بعض أصحاب العمل في توعية موظفيهم بهذه الأمور يفاقم من تفاقم المشكلة. لا يمكننا أن نغفل أن هذا السلوك يضر بثقة المجتمع فيمن يقدمون خدماتهم داخل المنازل أو في المطاعم، فكيف يمكن الوثوق بمن يتعامل مع طعامنا أو أموالنا وهو منشغل بالتصوير والبث والتفاعل مع المتابعين؟ الحل يتطلب تكاتف الجهود، فمن جهة يجب أن يضع أصحاب العمل سياسات واضحة تمنع التصوير أو البث أثناء العمل، ويشددوا على توعية العمال بحقوق أصحاب العمل وخصوصياتهم. ومن جهة أخرى، على الجهات الرسمية، مثل وزارة الموارد البشرية، أن تتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي لضبط المحتوى وتنظيمه، ومحاسبة كل من يخالف القواعد. في النهاية، التكنولوجيا يجب أن تكون أداة بناء لا أداة تدمير. وعلى الجميع العامل وصاحب العمل والمجتمع والقانون أن يتحملوا مسؤوليتهم لضمان بيئة عمل تحترم المهنية، تحفظ الخصوصية، وتكرم الإنسان، بغض النظر عن وظيفته أو موقعه.