في التاريخ والزمان محطات كبرى يُشار إلى الأحداث معها بما قبل تلك المحطات أو ما بعدها، وكذلك الأمكنة لها حالتها الوجودية التي تعطي للحياة خصوصيتها وقيمتها من خلال ما تتنافس عليه هذه الأمكنة شرفا وسموا. لذا عندما يأتي اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، الموافق لليوم الثالث والعشرين من سبتمبر كل عام، تأتي معه الذكريات العاطفية المؤثثة بكثير من المشاعر، ثم لا تملك هذه الذاكرة إلا أن تقارن بين زمنين أحدهما «قبل»، بكل ما فيه من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية عنوانها الأبرز الشتات والصراع، والآخر «بعد»، بكل ما فيه من مبشرات وطمأنينة في كل المجالات، نراها ونعيشها بكل ما للعيش الرغيد الهانئ المطمئن من جمال وسلام. وإذا التفتنا للمكان وجدنا له شرفا لا يعدله شرف، وقدسية كبرى تهوي إليها الأفئدة من كل مكان، شوقا ومحبة، وطلبا لسكينة حصرية عزّت عن الوجود في غيره، كرامة من الله واصطفاء لهذا الشعب، وأبنائه ورثة النبوة، وحملة الرسالة، سلفنا نبي وصحابة، والخلف منا ضارب في المجد بسهم وافر من المروءات والجد والأخلاق العربية الإسلامية التي تنحاز لهذا الشعب دائما، حتى صار رمزا أبديا لهذه الهوية. إن اليوم الوطني هو أخ وشقيق لكل الأيام في هذا الوطن عظمة وكرما ومروءة وخيرا منذ توحيد هذه الأرض على يد المغفور له -بإذن الله تعالى- الرجل الصالح والفارس الشهم الكريم عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، الذي تولى ملك هذه البلاد، فساسها أبا ووالدا وقائدا، حتى أخرجها بفضل الله من التحديات الكبرى، وجعل لها بحسن توكله على ربه شأنا عظيما نفخر به، ويفخر به كل منصف في هذا العالم، ثم خلفه من بعده أبناء كرام تخرجوا في مدرسته الإسلامية العربية الأصيلة السامية، ليواصلوا البناء، وليتشاركوا مع قادة وشعوب العالم السير به نحو مرافئ الأمان والسلام، متيقنين من وعد الله لمن عمل صالحا، ومتأكدين أن جزاء الإحسان الإحسان مهما تأخر، ومهما واجهتنا الملمات، فقدرنا دائما أن البوصلة تؤم الرياض، وتستنجد بالحكمة العربية في اليمامة ولا فخر ولا منة، وإنما حمدا لله على جميل اصطفائه وتمكينه. إن اليوم الوطني السعودي الخامس والتسعين يمر هذا العام ونحن -بفضل الله- بين يدي القائد الكريم المحب لوطنه وشعبه، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي أمضى جل عمره في تنمية شعبه والعالم بكل قوة وبصيرة، ومعه عضده القوي الأمين، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي تربى في مدرسة والده، فقاد بكل شغف وقوة وحزم حملة التحديث لجميع مفاصل الدولة المدنية، سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ولم يقف تأثيره على شعبه فقط، بل انطلق داعما ومؤيدا لجميع الشعوب في قضاياها العادلة، ومسهما في رحلة البناء العالمية لكل الذين مدوا أيديهم للسلام والتنمية والتقدم الإنساني. إن المملكة العربية السعودية، وهي تمثل النموذج العربي الإسلامي بكل جدارة، تؤكد للجميع أنها ذات منهج أصيل جميل، ومبادئ راسخة، وقيم سامية، إذ وجهت كل قراراتها ومواقفها، وما زالت، نحو مبادئ الخير والجمال والعدالة لكل البشر، ليعيش الجميع في أمن وأمان وكرامة بلا فرز أو تمييز. إن اليوم الوطني مناسبة عزيزة تمر كل عام لنحمد الله على الاجتماع بعد الفرقة، وعلى الوفرة بعد الحاجة، وعلى الأمن بعد سنوات الخوف، وعلى القوة بعد الضعف، وما كان لذلك أن يحدث لولا توفيق الله لآبائنا الذين صدقوا العزم، وأحسنوا التوكل، فكان هذا الوطن وارف الظلال، منيع الجانب، ما قصده طالب عون إلا ودُعم، ولا استهدف حماه عدو إلا دُحر وغَرم، والحمد لله أولا وآخر على هذا الوطن الكريم.