يتقدّم اسم الشيخ محمد بن علي بن جابر أبوساق اليوم بوصفه واحدًا من أبرز الوجوه الاجتماعية في منطقة نجران والمملكة العربية السعودية؛ إذ جاء تتويجه بجائزة «امتنان» – فرع «وقار» ضمن حفل جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز للتميّز في العمل الاجتماعي ليضع خاتمة مشرّفة لسنواتٍ طويلة من العطاء الهادئ، وإصلاح ذات البين، وتثبيت السلم الأهلي، وخدمة الناس بلا ضجيج. وقد أعلنت الجائزة أسماء المكرّمين هذا العام، وكان من بينهم الشيخ أبوساق في فرع «وقار» المخصّص لتكريم الرموز الاجتماعية ذوي العطاء المتّصل وتأثير القدوة. «امتنان» مبادرة اجتماعية حديثة ضمن منظومة جوائز الأميرة صيتة، تستهدف ترسيخ قيمة ردّ الجميل والاعتراف بأصحاب البصمات النبيلة التي قد لا تطالها الأضواء، مع مكوّنات تكريم رمزية ومعنوية وحضور احتفائي لائق. وقد صيغت فلسفتها لتكريم من صنعوا الأثر في حياة الناس والمجتمع، عبر فروعٍ منها «وقار» الذي يحتفي بكبار المصلحين والوجهاء الذين مثّلوا قدوة في خدمة المجتمع. تثبيت مكانة الشيخ محمد بن علي أبوساق ليس طارئًا؛ فمنذ المرسوم الملكي بتعيينه شيخًا لشمل قبائل آل فاطمة يام عام 2021، حمل أمانة المقام القبَلي والاجتماعي بوصفه خادمًا لمجتمعه كما يصف نفسه، ومعبّرًا عن امتنانه للثقة ومسؤوليته في رعاية التماسك الاجتماعي. يُجمع من عايشوا الشيخ أبوساق على أنه يندفع إلى إصلاح ذات البين قبل أن تتفاقم الخلافات؛ وقد لخّص رؤيته بعبارةٍ صارت عنوانًا لمسيرته: «القضايا الصغيرة إن لم تُعالج تكبُر». هذا المنهج ظهر في عشرات المساعي الاجتماعية، من التحكيم، والوساطة، ووأد النزاعات في مهدها، إلى استقبال الوفود واحتضان المجالس الجامعة التي تُعيد اللحمة وتُسكّن القلوب. ولم تقتصر مبادراته على المصالحات؛ فلطالما جعل مجلسه منصّة لتكريم المتميّزين من أبناء الوطن وتعزيز ثقافة القدوة الإيجابية، في رسائلٍ عملية للشباب بأن «الجاه الاجتماعي» و«المنصب القبلي» قيمتهما في خدمة الناس لا في التعالي عليهم. اختيار الشيخ أبوساق لفرع «وقار» ليس تفصيلًا شكليًا؛ ففلسفة هذا الفرع تُعلي من مكانة الكبار وأهل الخبرة الذين أثْروا المجال الاجتماعي بالحكمة والرفق، ومنحوا المجتمع استقراره عبر أعوامٍ من التوجيه والوساطة والعطاء الهادئ. ومن هنا جاء التكريم امتدادًا منطقيًا لمسيرته في ترسيخ قيم التراحم والتوقير وصيانة «هيبة السلم الأهلي» في المنطقة. شهد حفل الجائزة في الرياض تكريم 35 فائزًا من أفرادٍ وجهات، مع عرضٍ مرئيٍّ لرسالة الجوائز الاجتماعية الستّ، ومنها «امتنان». وفي هذا السياق، بدا تكريم الشيخ أبوساق جزءًا من لوحة وطنية أوسع تُعزز ثقافة التطوّع والمسؤولية الاجتماعية، وتربط الأثر المحلي برؤيةٍ مؤسسية راسخة. أثره في المجتمع: ملامح عملية • وأد النزاعات مبكرًا: يفضّل الشيخ الدخول في معالجة الخلافات في أطوارها الأولى، قبل أن تنتج استقطابًا أو خسائر بين الأسر والقبائل. هذا النهج الوقائي اختصر مسافاتٍ طويلة على الجهات الرسمية والأهلية. • مجالس جامعة: لم تكن مجالسه للتعارف والضيافة فقط، بل منصّات لمداولاتٍ مسؤولة، وتزكية مبادرات شباب المنطقة، وتكريم المتميزين، بما يعيد تعريف «المجلس» كمؤسسةٍ مجتمعية حيّة. • قدوة أخلاقية: من خلال خطابه المتزن، وحرصه على الرفق واحترام الكبير، تجسّدت في ممارساته قيم «الوقار» التي تثمّنها «امتنان»، وتجعل من التكريم شهادةً على السلوك قبل الكلمات. دلالات الفوز 1. مأسسة الاعتراف: نقلُ الامتنان من المشاعر الفردية إلى تكريمٍ مؤسسيّ يرسّخ ثقافة الشكر لمن يعملون «خلف الكواليس». 2. تمكين الوجهاء المصلحين: إبراز أدوار الوجهاء والقيادات الاجتماعية ضمن منظومة العمل الأهلي الحديثة، لا بوصفهم بقايا تقاليد، بل شركاء في الاستقرار والتنمية. 3. رسالة للشباب: أن طريق الوجاهة يمرّ عبر خدمة الناس وصناعة الأثر، وأن القيم الأصيلة يمكن أن تتصالح مع أدوات العصر. المتابع لتغطيات الصحافة المحلية والأحداث يلحظ حضور الشيخ أبوساق في ملفات الإصلاح والمجتمع بما يعكس ثقة الناس به وحاجة المجتمع إلى صوتٍ يجمع ولا يفرّق. وهكذا تتكامل الثقة والممارسة والتكريم في مسارٍ واحد. فوز الشيخ محمد بن علي أبوساق ب«امتنان – وقار» ليس محطة شخصية بقدر ما هو تكريم لفكرة: أن المجتمعات القوية تُبنى بأيدي رجالٍ ونساءٍ آمنوا بأن الإصلاح واجب، وأن الكلمة الطيبة، والصدور الواسعة، والوقت المبذول للناس، كلها استثمارات في السلم الاجتماعي و«النسيج الوطني». إنّه تتويجٌ لمسيرةٍ ظلت تقول بهدوء: «عندما نُطفئ شرارة الخلاف اليوم، نوفّر على أبنائنا غدًا حريقًا كبيرًا» فسبحان من أعطاه القبول والمحبة، والحكمة المعروفة والمتوارثة لدى هذه الأسرة الكريمة.