المفترض في الدول العربية قاطبة أن تكون سباقة إلى تنقية وسائل التواصل الاجتماعي من كل ما نراه يشوبها من وسائل إرهاق المجتمع المسلم بكثير من الدعوات لنبذ المنطلقات والآداب والأخلاق الإسلامية العريقة، مِن إخلاص لله تعالى وصدق تعبد له وعفاف وحجاب ومروءة وحمية؛ ولا شك أن ما يحمي وجود ذلك كله هو وجود الدولة التي تقع عليها مسؤولية ضبط تلك الوسائل والإسهام الكبير في وقاية الناس منها؛ ومعلوم لدى كل متابع أن الناس كلهم لن يعجبهم ذلك الضبط، بل سيعجب فئة وتنتقده أخرى، إما أنها تنتقده زعماً بعدم جدواه أو ضعف الإجراء الضابط، وإما أن تنتقده بدعوى الحرية التي يتبجح بها بعضهم، وهي في حقيقة الأمر عبودية للهوى، وقد ابتُلِيَ بعضهم به حتى أصمه عن ذكر الله سبحانه وعن ذكر المجتمع وكيف يتضرر بما يرى ويسمع، وأن الناس متى ما أُعطُوا حريتهم كان التخلي عن القِيَمِ الفاضلة أحد ما يرومون، وقد يصمد على هذه القيم جيل أو بعض جيل لكنَّ التفريط في كل شيء هو مصير بقية الأجيال، هذا إذا لم تكن هناك دولة تحمي هذه الأصول والأخلاق القَيِّمَة وإن انتقد البعض ما تقدمه الدولة من إجراءات لحفظها وإلزام الناس جميعهم بها. أقول هذا لأنني كغيري من الناس هذه الأيام أكافح كثيراً ما أجده في وسائل التواصل من محاربة لتوحيد الله تعالى ونشر لمعصيته على تنوعها من اعتقادية وعملية؛ ومع أن مصادر تلك الإعمال التي تسعى لتغيير الفكر والعمل غير إسلامية، أجد وهذا من المؤسف- أن القائمين عليه مسلمون. نعم يمكن إرجاعهم عما هم عليه عن طريق الوعظ والتذكير بخطورة ما هم عليه من قبل الصالحين القادرين، وينبغي ذلك، لكن نضيف إليه إيجاد الأجواء المناسبة التي تحول بينهم وبين التفكير في ولوج هذا الأمر من الأنظمة الواضحة، وإعداد البرامج الإلكترونية الذكية التي ترفض استقبال مثل هذه الأعمال، وقد نجحت السعودية في صناعة برنامج متقدم في الذكاء الاصطناعي وهو برنامج عَلَّام الذي بالتجربة حين استخدام HUMAIN chat وجدته لا يقل أبداً عن البرنامجين الأمريكي والصيني، وذلك حسب استخدامي الشخصي، وبذلك نعلم بوجود القدرة الفائقة على إيجاد أنظمة ذكية تحول دون دخول أصحاب المواد غير اللائقة إلى ساحة بلادنا، أما الدول العربية وما ينتج فيها، فلعله أن يوجد مؤتمر عربي يدعى إليه وزراء الداخلية ووزراء الشؤون الدينية العرب كما يدعى إليه صانعو البرامج الذكية وتُبْحَثُ معهم هذه الكارثة التي تستهدف الدين والأخلاق والمثل كي نصل إلى قرار عربي يتم إنفاذه فورا ليرتاح الناس من هذا الوبال العظيم، أو أي طريقة تراها الحكومة غير المؤتمر أنفع وأسرع وأمثل. وقد دُعِيت قبل حوالي الخمسة عشر عاماً إلى مؤتمر إسلامي أقامته رابطة العالم الإسلامي وكنت ممن صاغ بيانه الختامي، وكان فيه: العمل على إيجاد ما يشابه منصتي تويتر وفيس بوك في العالم الإسلامي، وذلك كي تغني المواطنين عن تلك المنصتين اللتين فتحتا آفاقاً سيئة على المسلمين، وكان ذلك قبل حدوث ما عُرِف بالربيع العربي الذي كان لفيس بوك في إنجاحه كخريف وليس ربيعاً دور بارز جداً، وربما أقول: هو الدور الأبرز في إيصال تلك التحركات الشعبية إلى ما وصلت إليه. وكان العمل بتوصية ذلك المؤتمر كفيلاً برد شرورها، لكن لا راد لقضاء الله تعالى. وإذا كنا تطرقنا لِما يثير الفوضى فهناك أمر يذكرني به مقطع أرسله إلي بعضهم، ووجدت أن صاحبه ممن لهم شعبية كبيرة بين الناس، وينطلق بأفكاره من دولة خليجية تستضيف أفكاره في تلفزيوناتها الرسمية فضلاً عن قِطاع الإعلام التواصلي، وكان في هذا المقطع يَذْكُر شرك القصور وشرك الحكومات، وكنت تكلمت عما يعرف بشرك القصور في مقال سابق، وهذا المتحدث يستخدم قوله تعالى ﴿وَما يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بِاللَّهِ إِلّا وَهُم مُشرِكونَ﴾ [يوسف: 106] في تقرير أن طاعة الحاكم في معصية الله شرك، وهذا خطأ كبير من جهات عدة، أولها السياق الذي وردت فيه في سورة يوسف، وهو سياق عبدة الأوثان ومن يزعمون أن مع الله إلهاً وثناً أو زوجة أو ولداً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، كما أن كُتب المفسرين كلهم تقول هذا، وبعض المفسرين يدخل في الآية الشرك الخفي، وهو الرياء، بأن تعمل من أجل الناس أو تُشركهم فيما ينبغي أن تخلص لله فيه العمل، وكذلك الرقى بغير ذكر الله، والتمائم والتولة؛ وكل ذلك صحيح. أما الخطأ فهو طاعة الحكام في معصية الله، فهذه حرمتها وشدتها عند الله عظيمة لكنها لا تبلغ الشرك الذي نسأل الله تعالى أن يعيذنا منه وأزواجنا وذرياتنا. وخطر مثل هذا القول وانتشاره عظيم إذ يلجأ باستخدام مثل هذا القول إلى الدعوة إلى الثورة، والخروج على الحكام، إذ ما من حاكم إلا وهو يعصي الله أو يُظن أنه يعصي الله فيما يأمر به، فيأخذ مثل هذا القول ذريعة وشعاراً في وقت نحن فيه في أمس الحاجة إلى الاستقرار بحثاً عن التنمية التي كل العالم العربي بحاجة إليها. وهذا المتحدث وأمثاله كثر، وأعتقد أنهم يؤسّسون من حيث لا يعلمون أو من حيث يعلم بعضهم إلى استحداث موجة أخرى مما يسمى بالربيع العربي الذي لا نزال إلى يومنا هذا نشعر به بما يشعر أصحاب الذئب الذين ذكرهم الملك عبدالله، رحمه الله، لمادلين أولبرايت، كانوا يحمون قطيعهم من الذئب ويطاردونه كل يوم، فلما أحضروا كلباً كبيراً يحميهم من الذئب ضلوا يطعمونه كل يوم من قطيعهم، فكان حالهم قبل هذا الكلب خير من حالهم معه.