أزمةُ فكرٍ أنتجت ثقافةً سامةً معاديةً للطبيعة البشرية. هذا هو حال مجتمعات العالم العربي، التي تعاني وتئنّ من أسلوب حياةٍ عدائي، مقارنةً بالطباع البشرية في التعاملات، والأخلاق، والروحانيات، التي في كثيرٍ منها روحانياتٌ مزيفة! الأزمةُ الفكرية أنتجت خرافاتٍ وجدت بيئةً مناسبةً للتمدد والانتشار، حتى أصبح الحديث عن الخرافات بالنقد أو السخرية يجيّش على الناقد الأعداء من كل حدبٍ وصوب. أصبحت الخرافة هي السائدة، بينما الفكر الحر يتوارى بتواري المفكرين العرب، الذين لا يرغبون أو ليست لديهم طاقة لمواجهة مجتمعاتٍ تم تلقينها، عبر قرونٍ من الزمن، بكل ما هو معادٍ لطبيعة الإنسان. هذه الآفات الثقافية تظهر في تعامل الجنسين تجاه بعضهما البعض، فلا تزال الأغلبية العظمى من المجتمعات العربية لا تتعامل مع الجنس الآخر بما يناسب طبيعة الإنسان، وإنما تتعامل وفق معايير حدّدتها الخرافة والخزعبلات، سواء كان ذلك تحت غطاءٍ دينيٍّ أو عاداتٍ وتقاليد. سلبيات، وخُراج، ينمو وينتفخ أسفل الجلد، ولكن لا أحد يشير إلى ذلك. هذا خطرٌ يهدد السلام الداخلي لكل مواطنٍ عربي، من المحيط إلى الخليج. كلما كان الإيغال عميقًا جدًا (وهو كذلك) في إجبار الفضيلة، يكون هناك امتدادٌ معاكسٌ لكل ما هو نقيضٌ للفضيلة، وينتج عن ذلك السلوك الفاضح، والخطيئة، وكل ما هو لا أخلاقي، ويؤدي إلى صراعٍ داخل النفوس البشرية، يخلق بيئةً مثاليةً لنمو الوضاعة الإنسانية. الفسوق اللاأخلاقي يكون بطريقةٍ ملفتةٍ للنظر، وتلوث الأرواح، كما ذكر الروائي الروسي «نيكولاي غوغول» في روايته الساخرة «النفوس الميتة» التي كتبها في القرن التاسع عشر. هل نبدأ من حيث بدأت الأمم مرحلة تطورها، أم من حيث انتهت إليه؟ لماذا لا نبني منظومةً أخلاقيةً مستعينين بآخر ما توصّلت إليه المجتمعات المتحضرة من أخلاق، وقيم، ومبادئ، وأسلوب حياةٍ في عيشهم وتعاملهم فيما بينهم؟ هل علينا أن ننتظر عدة قرون حتى تتطور الأجيال العربية لمواكبة طبيعةٍ إنسانيةٍ موائمة للإنسان، وليست عدوًا له؟ الأخلاق تراكماتٌ أسّست عليها الأممُ التي سبقتنا حتى وصلت إلى النسخة التي هي عليها الآن، فهل نستفيد منها، أم نبقى أسرى الخرافة تحت اسم والعادات والتقاليد؟ في العالم السعودي نحن لم نبدأ من الصفر في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية، ورؤية 2030 خيرُ مثال. في عام 2010، لم يكن أحد قد سمع أو عرف شيئًا يُسمى «الأمن السيبراني»، بينما هو اليوم الأعلى أجرًا سنويًا في السعودية، وهذا لأننا قررنا أن نبدأ حيث انتهى الآخرون.