في لحظة فارقة بين الصمت والبوح، خطّ الإعلامي والشاعر موسى محرق أبياتًا من الشعر بدت وكأنها وصية شعرية، ومرثية كتبها لقلبه قبل أن يودّع الدنيا. قصيدةٌ تلتحم فيها المعاني الحزينة بالإيمان العميق، وتتماهى فيها العاطفة الصافية مع روح شاعر عاش حياته بالكلمة، ورحل معها في صمتٍ يليق بالكبار. شاعر يكتب نهاية القصيدة التي تُتناقل اليوم على نطاق واسع، ليست مجرد كلمات رثاء، بل تأملات وجودية، تسكنها النبرة الإمانية ويغلفها الوعي بثقل الفقد، وكأن محرق كان يستشرف النهاية، ويهيّئ نفسه ومن حوله لما هو قادم: فما قلبٌ لنا إلا كليمُ ونؤمن بالقضاءِ رضاً وصبرُ يقين الإيمان بهذا المطلع المؤلم، يعلن الشاعر عن انكسار داخلي، لكنه لا ينهار، بل يستند إلى يقين الإيمان ويقظة الوعي. هو القلب المكلوم، لكنه المؤمِن بالقدر، الصابر على الابتلاء، الواقف في وجه الألم بثبات. بين الحلو والمر القصيدة تتأرجح بين رهافة الشعور ووضوح المعنى. لا تخلو من الأنين، لكنها لا تفقد توازنها. يرثي الشاعر نفسه حين يصف وقع الفقد: وإن صرَعَ القُوى وقعٌ أليمٌ لفقدِكَ قد طَعِمْنا الحُلوَ مُرًّا وخَيَّمَتِ المآسي والهمومُ ففي هذه الأبيات، يربط بين المعاناة الفردية والمعاناة الجماعية. وكأنه يقول: لم يكن ألم الرحيل ألمًا شخصيًا، بل هزّة طالت الجميع، وأحالت الأفراح إلى أحزان، واللحظات الحلوة إلى مذاقٍ مرٍّ لا يُنسى. سؤال الراحل عن القادم ثم تتصاعد نبرة القصيدة نحو سؤال وجودي لا يبحث عن إجابة بقدر ما يُسجّل فراغًا: فمن للمعضلات إذا اشمخرت؟ وحار أمام ثورتها الحليم؟ هذه ليست مجرد تساؤلات شعرية، بل صرخة غياب، يقول فيها الشاعر: من سيتقدم الصفوف في لحظات الشدة؟ من سيكون حليمًا حين تعصف الفتن؟ من سيحتوي اندفاع الجهل وطيش الغرور؟ الحكمة والحلم ومن يُمتصّ غضبةَ كلِّ غرٍّ قد زانَه قلبٌ سليمُ في هذا الختام الموجع، يُشير إلى شخصٍ امتاز بالحكمة والحلم، وامتلك قلبًا سليمًا استطاع أن يحتوي الآخرين، وقد يكون القصد بذلك نفسه، أو من يشبهه من الطيبين في سيرتهم، الثابتين على قيمهم. عاش وغادر مبتسما كان الإعلامي الراحل موسى محرق مثالًا نادرًا في الجمع بين المهنية والإنسانية، وواحدًا من الأسماء التي رسّخت حضورها بثبات في مشهد الإعلام والثقافة بجازان والمملكة عمومًا. عرفه الجميع بقلمه المهني وابتسامته التي لا تفارق محياه، وبشِعره الصادق الذي نبع من قلبٍ مرهف، وبلغةٍ تنبض بالإحساس. شاعرٌ يمتلك حسًا عاليًا بالتعبير، وإعلامي بارع تُسطَّر عناوينه الصحفية على صدر الصفحة الأولى في جريدة الوطن، حيث كان أحد الأقلام اللافتة بأسلوبه التحريري الاحترافي ورؤاه العميقة. لم يقتصر حضوره على الصحافة فحسب، بل امتد إلى إدارة العلاقات العامة، حيث شغل منصب مدير العلاقات العامة والإعلام في جامعة جازان، وكان من أوائل المساهمين في تأسيس هويتها المؤسسية والإعلامية منذ بداياتها، فكان وجهًا بارزًا وصوتًا حاضرًا في كل محطة مهمة من مسيرتها. جمع الكلمة والضمير جمع موسى محرق بين الحرف والخلق، وبين الكلمة والضمير، وكان نموذجًا فريدًا للإعلامي الشامل الذي يعرف متى يكتب، ومتى يصمت، ومتى يربت على كتف زميله بكلمة طيبة. ورغم تعدد أدواره وتنوع إسهاماته في الإعلام والصحافة والأدب والعلاقات العامة، إلا أن ما بقي راسخًا في قلوب من عرفوه هو نُبله الإنساني وابتسامته المضيئة، التي كانت مفتاحًا للقلوب ورفيقًا لكل من قابله. قصيدة الوداع – نؤمن بالقضاء بقلم: موسى محرق فما قلبٌ لنا إلا كليمُ ونؤمن بالقضاءِ رضاً وصبرُ وإن صرَعَ القُوى وقعٌ أليمٌ لفقدِكَ قد طَعِمْنا الحُلوَ مُرًّا وخيّمت المآسي والهمومُ فمن للمعضلات إذا اشمخرت؟ وحار أمام ثورتها الحليمُ ومن يُمتصّ غضبةَ كلِّ غرٍّ قد زانَه قلبٌ سليمُ