تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة الأسماء الوهمية، وهذه ظاهرة تستحق دراستها بشكل أكبر من الناحية النفسية. ونحن هنا نقصد الأسماء المستعارة التي يمتلك صاحبها شخصية مكتملة في الفضاء الإلكتروني، بطباع وسلوك وقناعات محددة تجعل من هذه الشخصية كأنها شخصية حقيقية مكتملة، إنما بهوية مستترة. والسؤال: هل هذه الشخصية، بهذا الشكل، خلف الاسم الوهمي، هي الشخصية الحقيقية لصاحبها؟ وهل هي حقيقته التي لا يستطيع أن يبوح بها لأسباب مجتمعية أو غيرها؟ هذا سؤال مهم، لأنه للأسف نسبة ليست قليلة من هذا النوع هي شخصيات سيئة أخلاقياً ونفسياً. وهذا يذكرنا بتجربة ميلغرام الشهيرة، وهي التجربة التي قلبت مفاهيم علم النفس رأساً على عقب عندما أثبتت أن غالبية كبيرة من الناس مهيؤون لأن يتحولوا إلى شخصيات سيئة جداً إذا توفرت لهم شروط معينة. ومن بين هذه الشروط أن يحمل الشخص اسماً مستعاراً، وأيضاً أن يخفي وجهه، وشروط أخرى مفصلة في التجربة المعروفة. إنما هذان الشرطان: الاسم الوهمي وإخفاء الوجه، يتوفران اليوم عند أصحاب الأسماء الوهمية في وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك نسبة الأخلاق السيئة بين هذا الصنف ليست قليلة. منذ قديم الزمن دفع الفلاسفة والمفكرون ورجال الدين الإنسان إلى أن يعرف نفسه؛ لأن حقيقة النفس ليست سهلة كما تبدو، وقد ورد في الأثر الإسلامي القول المشهور: «اعرف نفسك تعرف ربك». ما يُظهره الشخص للناس قطعاً ليس هو المتطابق مع حقيقته، ولكن السؤال: كم نسبة الاختلاف بين الشخصية التي يُظهرها الإنسان للناس وبين حقيقته؟ والتي قد تكون هي ما يظهر عندما يختبئ خلف الاسم الوهمي. وأتمنى أن يسأل صاحب الاسم الوهمي نفسه، وهو متقمص هذه الشخصية البذيئة أو السيئة، ويقول لنفسه: هل يُعقل أن هذه هي شخصيتي الحقيقية التي أظهر بها بارتياح طالما أن المجتمع لا يعرف من أنا؟ وليتذكر أن الناس سوف تلقى الله بشخصياتها الحقيقية مهما كانت مختفية في الدنيا، كما أنها أيضا وفي كثير من الأحيان تظهر في الدنيا. وعليه أن يحذر أن يتماهى مع هذه الشخصية المختبئة خلف الاسم الوهمي، وأن يربي ويصقل الشخصية التي يرضى أن يقابل بها الله وخلقه.