فئة من البشر تودّ لو أن كل الطرق مغلقة دون لقائهم. أولئك هم الفضوليون الذين لا يُطلب حضورهم، ولا يُلاحظ غيابهم، وفي فراقهم غنيمة من كل شر. من الطبيعي أن تصادف هذا النموذج في كل بيئة اجتماعية. أشخاصاً يرون تفاصيل حياتك مادة مفتوحة للنقاش، وخصوصياتك ملفًا عامًا يحق لهم فتحه متى شاؤوا، وبالطريقة التي يشاؤون. هذا النوع من البشر لا يسأل بدافع الاهتمام، بل بدافع لا يمكن وصفه إلا ب«الهواية المزعجة»، أو بالعامية (اللقافة بغير سنع). كائن لا يهدأ حتى يعرف أين كنت، ومع من، ولماذا تأخرت، وماذا قلت، وماذا أكلت، وحتى كم مرة تنفّست اليوم. الفضوليون لا ينتظرون دعوة لدخول حياتك، فهم لا يعترفون بحدود الخصوصية ولا يحترمونها، يقتحمونها كما لو كانت ساحة عامة، ويعتبرون «حق السؤال» حقًا طبيعيًا مكتسبًا، بينما «حقك في الصمت» يثير شكوكهم ويدفعهم لمزيد من الحفر خلف كل إجابة ناقصة. هم لا يفرّقون بين الاهتمام والتطفل، يرون فضولهم عناية، وأسئلتهم المرهقة دليل محبة، لكنها في حقيقتها عبء نفسي ثقيل، وتعدٍّ صارخ على مساحتك الشخصية التي يجب أن تُحترم. الفضول أحيانا مبرر في طبيعته إذا كان بمنطق النية الحسنة، أو لضرورة تقتضيها المصلحة والإنسانية، هنا يكون محمودا ولا يعتبر سلوكًا سلبيًا، لأنه نابع عن حب أو رغبة في الاطمئنان، لكن حين يتجاوز حدوده ليصبح مراقبة دائمة وتدخلًا في كل كبيرة وصغيرة، فإنه يتحوّل إلى مصدر قلق ورفض. من الضروري أن يعيد أصحاب هذا السلوك النظر في مفهومهم للتواصل، فلا يجير كل سؤال على أنه بريء، ولا كل صمت يستدعي تفسيرًا. الخصوصية ملكية فردية، وحق أصيل لا يجوز المساس به.