في 25 من شهر مايو من عام 1981 وُلد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وولدت معه آمال وطموحات لمواطنيه في جميع المجالات، حيث إن مسيرة المجلس بعد 44 عامًا من إنشائه اتسمت بالموضوعية والحكمة، وهذا ما جعل مجلس التعاون لدول الخليج العربية نموذجًا فريدًا للكيانات الإقليمية، وليس من الإنصاف مقارنته بنماذج أخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو أو جامعة الدول العربية، ولكن حكمة القادة في دول المجلس جعلتهم يواجهون التحديات طوال تلك العقود الأربعة، ويبحرون بمسيرة المجلس بعيدًا عن الأمواج العاتية والأعاصير، ويوجهون المسيرة نحو التنمية وتحقيق الرخاء بدولهم وشعوبهم، التي تربطها منذ عدة عقود روابط الدم وصلة الرحم. أثمر العمل الخليجي المشترك عن العديد من الإنجازات في مختلف الميادين، أبرزها في قطاعات التعليم والصحة والطاقة والأمن، حيث ساهم التنسيق بين دول المجلس في تحسين مستوى الخدمات، وتوحيد المواقف في المحافل الدولية، وتعزيز مكانة المجلس عالميًا. هذا النهج التكاملي رسّخ مكانة مجلس التعاون كركيزة استقرار في المنطقة، ومصدر قوة لشعوبه. والآن وبعد مرور 44 عامًا على ميلاد مجلس التعاون الخليجي، فمن حق كل مواطن خليجي أن يعتز بالإنجازات ويمعن التفكير في التحديات والرؤية المستقبلية لتحقيق المزيد من الإنجازات التي تلبي طموحات شعوب دول مجلس التعاون والشريحة الهامة، وهي شباب دول المجلس الذين يتطلعون إلى مستقبل مزدهر يطمئنون فيه على التعليم والعمل والصحة والأمن، ويحصدون الثمار الطيبة لزرع الآباء والأجداد، ومن حق كل مواطن خليجي أن تصله الرسائل التي تبعث الأمل في المستقبل وتشحذ الهمم وتقوي العزيمة دون أي عوائق. وقد أثبتت الأزمات التي مرت بها المنطقة خلال العقود الماضية أن وحدة الصف الخليجي كانت صمام أمان، وأن التضامن بين دول المجلس لم يكن شعارًا بل ممارسة فعلية في مواجهة التحديات، وهو ما عزز ثقة الشعوب بقدرة المجلس على حماية مصالحها المشتركة وصون استقرارها. ولا يمكن إغفال الدور التاريخي الذي لعبه القادة المؤسسون في إطلاق هذا الكيان، فقد كانت رؤيتهم الثاقبة ووعيهم المشترك حجر الأساس الذي انطلقت منه مسيرة المجلس. وما تحقق خلال العقود الماضية يمثل امتدادًا لتلك الجهود، التي ينبغي أن تُستكمل بفكر جديد وسواعد شابة تواكب المتغيرات الإقليمية والدولية. ويمضي مجلس التعاون بثبات، مستندًا إلى إرث من الحكمة والوعي المشترك، ومواصلًا مسيرته نحو مزيد من التكامل، بما يعزز مكانته كركيزة استقرار ونمو في المنطقة، وشريك فاعل في مواجهة تحديات الحاضر وصياغة ملامح المستقبل. وفي هذا الإطار يُسجَّل للمملكة العربية السعودية دورها القيادي في دعم مسيرة المجلس منذ لحظة تأسيسه وحتى اليوم، حيث مثّلت ركيزة الاستقرار ورافعة القرار الجماعي، من خلال جهودها في احتضان القمم، ودعم المبادرات، ورسم ملامح المواقف الموحدة. لقد أثبتت المملكة، بقيادتها الحكيمة، أنها الحاضن الأول لهذا الكيان، والسند القوي لأشقائها في السراء والضراء، ما جعلها عنوانًا للمسؤولية، وصوتًا مرجعيًا في مسيرة الخليج نحو المستقبل.