أمير جازان: دور مهم للجامعات في تحقيق مستهدفات 2030    السعوديان "فتيني وأبكر"يحجزان مقعدين في نصف النهائي ببطولة آسيا لألعاب القوى بكوريا    محافظ الطائف يتفقد مركز الضبط الأمني بالبهيته    وزير الشؤون الإسلامية يوجه بتخصيص خطبة الجمعة القادمة لتوعية المصلين بالأحكام والآداب المرتبطة بمناسك الحج    وزير الخارجية: نسعى لتسريع التحول نحو الطاقة المتجددة والاستفادة من الحزام والطريق    موسم عسير يستهدف 9 ملايين سائح بحلول 2030    القصبي: عسير بيئة استثمارية واعدة وندعمها بتحديث التشريعات    دعم وتمكين الباعة الجائلين    "الفضلي" يرفع الشكر للقيادة بمناسبة الموافقة على تنظيم الهيئة العامة للأمن الغذائي    محافظ المجمعة يرعى حفل تخرج طلاب التقنية    الموافقة على تنظيم هيئة الأمن الغذائي وتعديل تنظيم الدعم السكني    غدا الأربعاء أول أيام ذي الحجة وعيد الأضحى الجمعة السادس من يونيو    رونالدو يلمح إلى انتهاء رحلته مع النصر    لويس إنريكي يطالب لاعبي سان جيرمان بدخول التاريخ    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل رئيس جامعة جازان    المملكة تدين اقتحام مسؤولين ومستوطنين إسرائيليين المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال    نهائي "البلاي أوف".. تاريخ جديد يُكتب في دوري يلو    أمير تبوك يقف على الجهود المبذولة لخدمة ضيوف الرحمن بمنفذ حالة عمار غداً    القبض على مواطن لترويجه الامفيتامين المخدر بتبوك    أكثر من 22 ألف مستفيدا من قافلة طب الأسنان الخامسة بجامعة جازان    نيابةً عن سمو ولي العهد.. سمو وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في القمة "الخليجية والآسيان والصين"    نجاح أول عملية لجراحة السمنة بمستشفى الإمام عبدالرحمن الفيصل    الذهب يقترب من أعلى مستوى له في أسبوعين    سمو أمير المنطقة الشرقية يهنئ الفائزين في المعرض الدولي "آيسف 2025"    "التخصصي" يُعزز الطب الشخصي بحلول ثلاثية الأبعاد ويحقق اعتماد الأيزو العالمي للجودة    تدشين ثالث مواقع مبادرة ( خارطة ذكريات الخبر )    "الجوازات": بلغ إجمالي ضيوف الرحمن القادمين من خارج المملكة عبر المنافذ الدولية (1,102,469) حاجًّا    استشهاد ثمانية فلسطينيين    الفصام.. اضطراب مزمن يتطلب تفهمًا مجتمعيًا ورعاية مستمرة    13.4 % نمو الصادرات غير البترولية    شروط نقل ملكية السجل التجاري    توازن دقيق بين الدبلوماسية والردع.. الكرملين بين مسودة السلام وضغوط الخطاب الغربي    في ختام دوري روشن 2025/2024.. الاتحاد يحتفل.. والهلال للنخبة والأخدود ينجو    يعمل على معالجة ملف النزوح السوري.. لبنان يتحرك لضبط السلاح في المخيمات    صمت العقل    موهبة.. من نجاح إلى نجاح    نظمت المعرض جمعية جفست في مكتبة الملك فهد.. جائزة «كلمات البدر وعدسة الفيصل».. إبداع ينطق بالشفافية    نيابة عن ولي العهد وزير الخارجية يرأس وفد المملكة.. قمتا «آسيان» و»الصين» تبحثان التعاون والتنسيق المشترك    فريضة    توفر خدمات ذات جودة عالية لضيوف الرحمن.. المملكة تدشن مبادرة "طريق مكة" في المالديف    121 مشروعاً سكنياً دعمتها رسوم "البيضاء"    "الفطرية": إطلاق 4 برامج لإكثار طيور الحجل    الجاسر: قطار المشاعر ينقل 2.5 مليون خلال الحج    بتوجيه من القيادة.. وزير الداخلية يوقع اتفاقيات أمنية مع الجهات الأميركية النظيرة    أفوكادو المثقفين    منطق القوة لايخدم السلام    «الداخلية» تصدر قرارات إدارية بحق (20) مخالفًا لأنظمة وتعليمات الحج    وزير البيئة: المملكة تقود حراكًا عربيًا لتعزيز الجهود ودعم الشراكات الإقليمية    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن المشروع التطوعي لإعادة تأهيل المنازل في محافظة أرخبيل سقطرى    دورة علمية لإيصال رسالة الحج الوسطية    الشماتة.. عدالة القدر الإلهي    دماء سعودية تتدفق لحماية الأمة    أحبَّكم كلكم    الاتحاد يكسب ضمك ويحتفي بلقب دوري روشن للمحترفين    الثنائي بطل لموسمين متتاليين    سمو أمير منطقة القصيم يستقبل سمو الأمير فهد بن سعد بن فيصل نائب أمير منطقة القصيم بمطار الأمير نايف بن عبدالعزيز الدولي بالمنطقة    دواء اكتئاب يكافح السرطان    فطريات قاتلة تنتشر في الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أفران أوشفيتز إلى رماد غزة
نشر في الوطن يوم 27 - 05 - 2025

في مشهد يعيد تعريف الظلم والإنصاف يقف الضمير العالمي مشلولًا أمام محرقة العصر في غزة، بينما ما زالت أفران أوشفيتز تُستخدم ذريعة لتبرير أفعال لا تقل عنها فظاعة، فهل تُقاس القيم الإنسانية بعدد الضحايا أم بهوية من يقتل ومن يُقتل؟
من «أوشفيتز» إلى غزة يمتد جسر طويل من الألم لا تصنعه فقط الأفران أو النار بل تصنعه الذاكرة حين تُختزل القيم في موازين مزدوجة وتُستخدم المآسي لتبرير مآسٍ أكبر، لقد ارتبط اسم «أفران أوشفيتز» في الضمير الإنساني بالهولوكوست كرمز للإبادة الجماعية وذروة الوحشية التي ارتكبتها النازية ضد اليهود وغيرهم من الأقليات في أوروبا تحوّلت تلك الأفران إلى شاهد دائم على قسوة الإنسان حين يتحول إلى آلة قتل وإلى نقطة فاصلة في الضمير العالمي لا يُسمح بتجاوزها أو التشكيك فيها.
لكن المأساة الكبرى ليست فقط في ما وقع هناك بل في ما يحدث الآن حين تتحول ذاكرة الضحية إلى أداة للقمع وحين تُسخّر المأساة لتبرير المأساة فتُباد غزة أمام عيون العالم ويُدفن أهلها تحت الرماد بلا ضمير عالمي يحاسب أو يحرك ساكناً.
في غزة حيث يعيش أكثر من مليوني إنسان في حصار مستمر منذ أكثر من 17 عامًا لم تبق آلة الحرب الإسرائيلية شيئًا إلا واستهدفته بيوت تُهدم على رؤوس ساكنيها مستشفيات تُقصف، مدارس تُدمّر، مساجد وكنائس تُسوى بالأرض، وحتى مراكز الإغاثة الدولية لم تسلم من القصف. الحرب الأخيرة التي بدأت منذ أكتوبر 2023 كانت الأقسى والأشد حيث تجاوز عدد القتلى 35 ألفًا أغلبهم من النساء والأطفال بحسب تقارير منظمات الأمم المتحدة والصحة العالمية ورغم أن الأساليب اختلفت فإن النتيجة واحدة أجساد محترقة، عائلات أُبيدت بالكامل، ومدينة تتحوّل إلى رماد.
الصمت الدولي المخيب أمام ما يجري في غزة لا يمكن اعتباره حيادًا بل هو تواطؤ مفضوح سواء عبر دعم مباشر أو عبر شلل مؤسسات القانون الدولي أو من خلال ازدواجية المعايير التي تسكت عن القتل الممنهج للشعب الفلسطيني.
من المحزن أن دولًا ما زالت تعيش عقدة الذنب تجاه اليهود تغض الطرف أو تبرر قتل الفلسطينيين رغم أن هؤلاء لم يكن لهم يد في مآسي أوروبا لقد كُتب على الفلسطينيين أن يدفعوا ثمن جريمة لم يرتكبوها وكُتب على غزة أن تكتوي بالنار وحدها فقط لأن أمن إسرائيل يجب أن يظل أولوية عند الغرب.
وآخر مشاهد ومهازل هذه الازدواجية الغربية تجلّى في الهجوم الذي حدث مؤخراً على السفارة الإسرائيلية في واشنطن، والذي أسفر عن مقتل اثنين من الموظفين فعلى الفور توحّد الصوت الغربي في الإدانة والتنديد وارتفعت نبرة الغضب الرسمية والإعلامية، وعادت عبارة «معاداة السامية» لتتصدر المشهد كدرع سياسي جاهز لأي انتقاد أو مقاومة، لم يستغرق الأمر ساعات حتى استُنفرت التصريحات وطُلبت الحماية وتحرّكت الآلة الدبلوماسية على أعلى مستوى، لكن أين كان هذا الصوت حين قُتل عشرات آلاف الأطفال في غزة؟ أين كانت هذه القيم حين احترقت الأجساد تحت القنابل المحرّمة؟ أم أن إنسانية الضحية تُقاس بجواز سفرها، أو بدينها، أو بعلاقتها بالحضارة الغربية؟
إن عبارة «من أفران أوشفيتز إلى رماد غزة» ليست مجرد استعارة بلاغية بل تعبير صادق عن انتقال المأساة من ضحايا الأمس إلى ضحايا اليوم، وعن المفارقة التاريخية التي تجعل من الضحية جلادًا ومن المظلومية وسيلة للاستعمار والقتل.
ومع ذلك فإن غزة رغم كل شيء لا تزال تقف، رمادها لا يخفي جذوة الكرامة في أهلها ولا يطمس حقيقة أن التاريخ لا يرحم وأن الإنسانية الحقيقية لا تُقاس بالدم الغربي وحده، بل بقدرة الإنسانية على رؤية الإنسان في كل مكان، حتى في شوارع غزة المحترقة.
إذا كان الضمير الإنساني قد توقف عند أبواب أوشفيتز فقد آن له أن يواصل طريقه إلى غزة فالعالم الذي لا يرى إلا مأساة ماضٍ معيّن ويتجاهل جحيم الحاضر يفقد بوصلته الأخلاقية ويغرق في نفاقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.