بين حواضر العالم وفي قبلة المسلمين تهوي أفئدة المسلمين إلى قلب العالم الإسلامي، بين جنبات مكة قصة لا تروى على عجل، بل هو إلهام يتجسد في الدور المحوري الذي تمنح فيه أمانة العاصمة المقدسة تجربة فريدة لخدمة الإنسان وتعظيم المكانة العالمية في أطهر البقاع. فهي لغة تكتبها الشوارع الجديدة حين تمتد محتضنة مواطن الذاكرة، ورواية تقصها الأشجار على مرافئ قطرات الندى، تلك المدينة التي تزرع المساحات الخضراء تحت كنف مبادرة (بيئتنا الخضراء) فقد غرست نحو ما يزيد على 71 ألف شجرة وشجيرة، مما حول المساحات الشاسعة إلى بقعة خضراء غناء، ولم يقتصر هذا التمدد البيئي الذي وضعت الاستدامة حجره الأساس فقط. بل هيأت ما يقارب ثلاثمائة حديقة عامة، مرحبة ومهللة بالأهالي والمقيمين والزائرين على حد سواء، فهذه الحدائق التي ازدهرت في أرجاء المدينة ليست مجرد مرافق ترفيهية، بل رئات خضراء تعبق بالسكان، وعلامات مضيئة تعكس مدى الاهتمام بجودة الحياة وتحسين المشهد الحضري في العاصمة المقدسة. ولأن خدمة ضيوف الرحمن هي جوهر التاريخ على مر العصور في المملكة، فقد حرصت الأمانة على الارتقاء بمستوى الضيافة والبنية التحتية لخدمة الحجاج والمعتمرين، فتم إصدار آلاف التراخيص لمباني إسكان الحجيج، والنتيجة هي رفع الطاقات الاستيعابية، للإيواء في مكةالمكرمة لتتجاوز المليوني حاج. وهو ما يعكس الإستراتيجيات التي تعظم ضخامة الأرقام في قدرة المدينة على احتضان ضيوفها بكل ترحاب، دونما التفريط بمستوى الراحة والانسيابية لهذه الحشود الإيمانية، التي تفد سنويًا في هذا البلد الحرام، فهي قادرة بإدارتها الحكيمة وجهودها الحثيثة على مواصلة السير لتلبية احتياجات العالم الإسلامي المتزايدة، في كل موسم حج وعمرة واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإدارة هذه الحشود. إن حصيلة هذه الجهود انعكست أصداؤها على الساحة الدولية لتتمركز مكة في موضع ليس كعاصمة مقدسة، بل كنموذج تنموي عالمي، يشار له بالبنان، ومما يدعو إلى الفخر أن مدينة مكةالمكرمة حققت مؤخرًا المرتبة التاسعة والثلاثين عالميًا ضمن نطاقات المدن الذكية، والتي تندرج في مؤشر المعهد الدولي للتنمية الإدارية IMD لعام 2025. وهذا ما يؤكده التصنيف الدولي المرموق؛ أنها تعدو بخطوات راسخة كجبالها الشاهقة نحو التحول الرقمي وتطبيق الأطر والمفاهيم التي تعزز الخطى الثابتة نحو مزاحمة حواضر العالم، مع الاحتفاظ بهويتها الأصيلة وطابعها المقدس. ذلك المشهد ما هو إلا نتائج موازنات الجهود الخدمية الساعية نحو رؤية اقتصادية مترامية المدى، وترسخ مكانة مكة كمدينة عالمية الجاذبية، وبهذا فتحت الأمانة أبوابها للمشاريع الاستثمارية الابتكارية. والتي تهدف إلى إشراك القطاع الخاص في التموضع النهضوي الساعي إلى إثراء تجربة السكان والزائرين، فتم طرح فرص استثمارية، تتجاوز المئة مشروع في مختلف المجالات، من تطوير المجمعات التجارية، والمرافق الترفيهية، ومماشٍ حضرية راقية تخدم الأهالي والزائرين. وعند الجسور والأنفاق وشبكات الطرق المتعددة، فإنها تخضع تحت منظومة رقمية ذكية تدار عبر عمليات الصيانة والتدخل الطارئ بسرعة ودقة متناهية، إما بالنسبة للمنظومة الغذائية فهي مراقبة من قبل مختبرات متنقلة، وأجهزة الكشف والتحليل الفوري الرقابية لمتابعة متطلبات الأمن الغذائي المتبع في المملكة. وقد عمدت الأمانة على التواصل مع المجتمع وتعزيز مبدأ الشفافية من خلال قنواتها المتعددة، مثل الحسابات الرسمية على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى منصة بلدي التي تقدم خدمات إلكترونية وتفعيل دور المستفيدين كشركاء فاعلين في تحسين الخدمات البلدية. وبذلك تحصد الأمانة المركزين الأول والثاني، في جائزة بصمة بلدي، عن مبادرة التشجير الرقمي والثاني عن ملف الحديقة الحجرية، ضمن الجائزة التي تنظمها وكالة الإسكان التنموي بهدف تشجيع الابتكارات والمبادرات الفردية والمؤسسية، لتحسين المشهد الحضري في المرافق العامة في مختلف مدن المملكة. وفي الختام، تقف مكةالمكرمة اليوم على أعتاب مستقبل ينهض بمقدراتها إلى إرث عظيم، منطلقة برؤية تعانق السحاب في إنجازات ليست إلا وقفات لمحطات ذهبية في رحلة مستدامة، منبثقة من قياس مؤشرات الأداء، مستلهمة رؤية 2030، ومترجمة لواقع ملموس في الشوارع والأحياء، هذه الإنجازات الملهمة لم تجعلها مدينة عصرية فحسب، بل أكدت نموذج خدمة الإنسان وإكرام ضيوف هذا البلد الأمين لتبقى أولوية قصوى لا يحول دون تحقيقها شيء.