أمير تبوك يستعرض الجهود والإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن    وفد المملكة يشارك في أعمال دورة مجلس الاتحاد الدولي للاتصالات 2024م    انطلاق اختبارات نهاية الفصل الدراسي الثالث في إدارة تعليم عنيزة    قطاع ومستشفى محايل يُنفّذ حملة "التوعية بلقاح حج"    الموافقة على تعديل نظام مراقبة شركات التمويل    زين السعودية أول مشغل اتصالات يوفر تغطية شاملة للمشاعر المقدسة عبر شبكة الجيل الخامس 5G    توقعات الانتخابات الهندية تشير إلى فوز مودي بأغلبية ضئيلة    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس الجمعية التاريخية السعودية    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضاً عند مستوى 11612 نقطة        إطلاق المنصة الخليجية الإلكترونية الموحدة للجامعات    أمير الشرقية: يدشن مشروعي منطقة الإجراءات وصالة المسافرين الجديدة بجسر الملك فهد    دراسة جيولوجية: الحياة على الأرض قد تكون نشأت في السعودية قبل 3.48 مليار سنة    أمير الحدود الشمالية يتسلّم تقريرًا عن مهام وجهود حرس الحدود بالمنطقة    مقترح «هدنة» غزة رهن الضوء الأخضر    انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو (9 كرات) بجدة    موعد مباراة مبابي الأولى مع ريال مدريد    نيمار يرد على تقارير رحيله عن الهلال    القيادة تهنئ ملك مملكة تونغا بذكرى استقلال بلاده    قوافل الحجاج تغادر المدينة إلى المشاعر المقدسة    محافظ الأحساء يكرّم الفائزين بجائزة الاختراع والابتكار والتقنية الدولية    شراكة استراتيجية بين طيران الرياض والخطوط السنغافورية    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    رئيس هيئة الأركان العامة : جامعة الدفاع الوطني تؤسس لمرحلة جديدة وانطلاقة مشرقة لمستقبل تعليمي عسكري احترافي    الخريف يبحث دعم ترويج الصادرات السعودية بالمغرب    "اليحيى" يقف على سير العمل بمنفذ حالة عمّار    الصمعاني يدعو خريجي المركز العدلي إلى الممارسة المهنية الشغوفة    «الشورى» وشفافية التناول    «الصندوق الزراعي»: 479 ألف مشروع بقيمة 65 مليار ريال في 60 عاماً    «العقار»: تراخيص جديدة للبيع على الخارطة ب 6 مليارات ريال    «قرار طبي» يبعد أيمن من معسكر «الأخضر»    «التنسيق السعودي الكويتي»: رؤية مشتركة في الثقافة والإعلام والسياحة والتنمية الاجتماعية    محفظة Nusuk Wallet لخدمة الحجاج والمعتمرين    تعاوُن سعودي – برازيلي في الدفاع    كلما زاد زملاء الدراسة المضطربين عقلياً.. زادت فرص إصابتك !    محافظ الزلفي يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية السابع    «مسام» ينزع 5,726 لغماً وقذيفة غير منفجرة وعبوة ناسفة في شهر    محاصرة سيارة إسعاف !    المثقف والمفكر والفيلسوف    سفير خادم الحرمين لدى كوت ديفوار: خدمة ضيوف الرحمن مبدأ ثابت في سياسة المملكة    الاغتيال المعنوي للمثقف    الاقتصاد لا الثقافة ما يُمكّن اللغة العربية خليجياً    منفذ حالة عمار يواصل خدماته لضيوف الرحمن    أمير عسير يفتتح مقر" رعاية أسر الشهداء"    محافظ بيش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية بالشخوص ميدانياً    الحركة و التقدم    نهاية حزينة لحب بين جنية وإنسان    « شاهد على وطني » .. الفال يرسم شمس المستقبل    محمد بن سلمان.. الجانب الآخر    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    كأس أمم أوروبا 2024.. صراع كبار القارة يتجدد على ملاعب ألمانيا    رونالدو يتطلع لتعزيز أرقامه القياسية في يورو 2024    القرار    أولويات الهلال في الميركاتو.. ظهير أيسر وجناح ومهاجم    «سناب شات» تضيف عدسات الواقع المعزز    السكر الحملى: العلاج    أكدت ضرورة أخذ التطعيمات.. إخصائية تغذية: هذه أبرز الأطعمة المفيدة للحوامل في الحج    اكتشاف أدمغة مقاومة ل" الزهايمر"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسئلة التي أجابت عنها فلسطين
نشر في الوطن يوم 03 - 08 - 2023


إنها تنهض، أو تواصل النهوض.
وإذا كانت غائبة عن المشاهدة، فذلك لا يعني أنها كانت نائمة. إنه يعني أن الحواس التي تعاملت معها كانت ناقصة. والحلم لا يهرب بقدر ما يطالب بجرح. من هنا تبدأ العلاقة، ولكن لا تؤرخوا بدايتها ولا تتكهنوا بنهايتها، فمثل هذه الدائرة لا تكفي. حلم يلد حلما فيتناسل. وفي عمليات الولادة يسقط دم على الحجارة فتصير إلى عصافير. وفي عمليات الولادة تصدر صرخة فتصير العصافير إلى حجارة. شيء من التبدل يحول الأشياء لتحيا، ويبقينا خارج العادة الموروثة. تسكتنا الدهشة الدائمة والتوتر إزاءها. وهكذا تنهض في التحفز إلى الحياة التي لا تأتي إلينا بقدر ما نذهب إليها.
عند هذا اللقاء نجد فلسطين
هي الصليب: كانت، فليس بوسع حيويتها أن تتحمل هذا الحاجز في الشعر والواقع. يومها كنت أرضى بالصورة لأنها كانت تحتاج إلى حنان أو عطف. فللدموع التي تأخذ صيغة الدم سحر سابق، وإلا فكيف كان من الممكن تسميتها ضحية. وهذه هي التقاليد: عمر ينفق على البحث عن تسمية حتى لو كانت سلبية، لأن بلوغ هذه السلبية سن النضج هو الحالة الطويلة، ممرات الدم، دهاليز العذاب التي يتكون فيها جنين الإيجابية أو شرعية الفعل. حزين هو التاريخ. ولكن فلسطين هي الحزن.
سمت نفسها بصعوبة، واستندت إلى نقيضها - البندقية. من علمها التشهير برموزها: ألا تلاحظون، مرة أخرى، أننا لم نفهم.. لأن الحواس التي تتعامل بها مع هذا الجسد الزمني والروحي معا لا تزال ناقصة؟
وهذا هو السر: ليست هذه الأشكال بنادق. إنها سفر الصليب في الزمن الأسود. إنها أغصان الزيتون كما تبدو في الليل الهابط. إنها الصدى الذي اعترضته قافلة كبيرة من قطاع الطرق، فاحتال عليها بنبرات تفهمها فتمضي خائفة. ويأتي صوت البراءة الأول في تناغمه مع الشجر والأطفال والصياح القادم. هذه هي فلسطين الليلة - تحارب الحرب بالحرب لأنها السلام.
وهكذا مشت خطوة ضد الجاهز في الشعر والواقع. خطوتها زمان، وعذابها مكان يرتدي زي الأحلام. كيف تعود إلى العودة - الماضي، وهي تتقدم في الزمن - الإنجاز: هكذا يسأل أصحاب الحواس الجاهزة لإدانة فلسطين. إذا كان الجرح إدانة فقد أدانت فلسطين نفسها قبل أن يدينها الآخرون، ولكن فلسطين تعود إلى الماضي حين تذهب إلى العودة. فهذا الماضي صورة تجريبية للغد. الحنين هوية الشيوخ في بحثهم عن كثير فقدوه. ولكن فلسطين الجديدة، بأطفالها الذين لا يعرفون تفاصيل المشهد ولا يجلسون في الحنين في صناعة الإنجاز وهي حرية الاختيار لا صدفة الوراثة. إن عودة هذا الفلسطيني الجديد هي عملية نمو وتصاعد من قاعدة هي الماضي الذي لا يعني عمرا سابقا، ولكنه يعني المكان الذي سنمارس فيه إبداع المستقبل.
ليست العودة ردا على الرحيل وإلا فستكون مقايضة أيام أو جهات. وهذا الفارق تصنعه الثورة. بالثورة تغير لفظة العودة معناها للوراء وتشحن نفسها بالأمام. تصير ذهابا إلى فلسطين المستقبل. لأن الإنسان الذي تخلقه الثورة هو إنسان منجز لا وارث. لا يقيس مسافته بالمعنى الإقطاعي للتراب. وإنما يقيس جدارته بما يستطيع إبداعه على هذا التراب. يكون حرا على تراب محرر. أن أشم عبير البرتقال - ليس هذا وطنا.
وهكذا مشت فلسطين خطوة أخرى ضد الجاهز في الشعر وتقليد الماضي. ومن جراحها هي أعدت المغفرة للقادمين إلى الصواب والغد. وتفوقت على ذاتها حين الفت ماضي الغزاة بمستقبلها، ولم تدخل الحلبة من حيث شاء الغزاة. هناك في بقعة الماضي كانت قوتهم الظاهرية وهزيمتهم التاريخية. قوة تدمر نفسها لأنها ظلم ولأنها قدم لا جدة، لأنها تبذير لقدرات وطاقات تصبح أوهى من قشة، في حساب العلم والتاريخ، حين تعادي المستقيل. أي نجاح أحرزه أعداء فلسطين؟ هل كان غير النجاح في آليات الخطا؟ لقد جاء هذا الضعف لأن هذه القوة جاءت من نسخ الماضي وحده. لقد تفوقت فلسطين على ذاتها وعلى أعدائها، حين عرفت كيف تكون نقيض الرهان الذي يستدرجها إليه الأعداء. وهكذا أعدت المغفرة فلسطين ومن الذين يستحقون أن يعيشوا فيها بجدارة المنافسة على حيها والانسجام مع رموزها.. السلام والعدل والحرية. إن حربها النبيلة تحت هذه الأقانيم تحرير ضحاياها من كل الأطراف والجنسيات. هل رأيتم ماذا تفعل فلسطين العرب: إنها تحرر اليهود مع العرب في ذهابها إلى المستقبل وتعفيهم من حرفة الماضي.
جميلة من كل الجهات، ولكنها من الأمام أخصب. ليس الجمال فضيلتها الوحيدة، على الرغم من أنها مشروع جنة. إن الصراع الذي يدميها يزيدها اخضرارا. ولرائحة إنجارها نكهة إنسانية، ولصخورها فجيعة القلوب. ولهذا كانت فضيلتها الأكبر قدرة الضحية فيها على النهوض الدائم. حتى تحولت ملامح الطبيعة فيها إلى تتمات بشرية. هل يتمكن الظلم من البقاء حين يتمكن من إبادة العدل فيها؟ أما زالت الإنسانية قادرة على الرفض أمام حملة الشر المدججة بكل عبقرية صناعة القهر؟ هذه هي الأسئلة التي أجابت عنها فلسطين المقاتلة بهذا الحضور المدهش في العصر.
1974*
** شاعر وكاتب وصحافي فلسطيني «1941 - 2008»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.