تركي محمد "طالب جامعي" أكثر ما يشغله هو التحدث مع أصدقائه عبر برنامج "الواتس أب"، ويذكر أنه بالرغم من تواجده مع أصدقائه سواء في المقهى أو النادي إلا أنه لا يجد نفسه إلا من خلال هذه البرامج المخصصه للمحادثة، والغريب أن معظم من يحدثهم هم ممن يجلسون أمامه على نفس الطاولة. "الوطن" حاولت أخذ الآراء المختلفة من المجتمع حول انتشار هذه الظاهرة، فذكر عبدالله بدران "طالب في المرحلة الثانوية" أن وجود برنامج "الواتس أب" في حياته شيء مهم. وأضاف: بالرغم من بقائي في فترة الصيف في النادي الرياضي فترة كبيرة إلا أني لا بد من وجود جهازي بالقرب مني للاطلاع على الرسائل الجديدة التي ترد لجهازي فنحن عبارة عن قروب من الأصدقاء يكون تواصلنا بشكل مستمر من الصباح حتى الذهاب إلى النوم ومن يتأخر في التفاعل معنا يتم حذفه من المجموعة. وأشار أحمد الغامدي إلى أن برامج المحادثات تسببت في اصطدام سيارتي بحاوية نفايات كانت في طريقي ولم أشاهدها بسبب انشغالي بمشاهدة الرسائل الواردة إلى جهازي. وأوضحت أم أحمد "تربوية" أن هذه البرامج مفيدة في مجتمعنا، فتجاهل هذه التقنية يعتبر جهلا، وكذلك الإفراط فيها يعتبر خطرا، فأنا لدي ابنتان في ال18 و20 من العمر لديهما تعلق شديد بهذه البرامج للتواصل مع صديقاتهما وأقاربهما، لكن المستغرب أنهما عزفتا عن حضور الزواجات التي تقام في الصيف واقتصرتا في الحضور على مناسبات الأقارب فقط ولوقت قصير جدا، وعذرهما في ذلك هو "أن أنظمة قاعات الأفراح والمناسبات تمنع دخول الهواتف الذكية، وأنهما تصبحان في معزل عن المجتمع وأن الجلوس في قصور الأفراح يكون مملا للغاية". استشاري الطب النفسي في مستشفى حراء العام ومستشفى الحرس الوطني الدكتور رجب عبدالحكيم بريسالي أوضح ل"الوطن" في رده على تساؤلاتنا عن هذه الظاهرة، بالقول: "لا شك أننا نعيش الآن في عصر تكنولوجيا الاتصالات، التي أضحت من الأمور الملازمة لنا في كل وقت ومكان - تقريبا - للدرجة التي لا يمكننا بأي حال الاستغناء عنها، ومن تلك الوسائل ما يطلق عليها برنامج التواصل الإلكتروني (الواتس أب)، وهو برنامج جيد إذا أحسنا استخدامه وتصريفه وفق الشكل الذي استحدث من أجله وهو التواصل الاجتماعي الضروري وأركز هنا على كلمة (ضروري)، حيث لاحظنا استخدام ذلك النوع من التقنية بطريقة عشوائية وخاصة من قبل المراهقين والمراهقات في مجتمعنا السعودي تمخض عن ذلك الاستخدام المفرط العديد من الآثار النفسية والاجتماعية وأفرز جيلا متقطع الأوشاج والأواصر وأحدث فجوة واسعة بين الآباء والأمهات من جهة والأبناء والبنات من ناحية أخرى. وأشار إلى أنه من خلال تخصصي أستطيع القول إن (الواتس أب) وبناء على مشاهداتي اليومية في الأسواق والتجمعات البشرية أرى أن هناك نوعا من الإدمان غير المحمود إطلاقا نتج عن سوء استخدام هذه التقنية، وهذا يعد من أخطر صنوف الإدمان وأخطرها على المجتمع نظرا لسهولة الحصول عليها إذ لا قيود ولا محظورات من امتلاكها من قبل جميع فئات وأعمار المجتمع، مما يجعل الشباب والفتيات لقمة سائغة فينجرفون دون تريث وتفكير ويقعون ضحية لهذا النوع من الغزو الفكري الغربي للمسلمين بشكل عام. وقال بريسالي: نجح الغرب في تحقيق أهدافهم من خلال تفكيك الأسرة المسلمة وتوسيع الهوة بين جمع أفرادها، وإنني أرى من وجهة نظري الشخصية أن الإفراط في استخدام تقنية التواصل الإلكتروني بمختلف مسمياتها وصورها يؤدي إلى الشعور بالعزلة والشعور بالاكتئاب والإحباط نتيجة عدم التواصل الوجداني وفقدان الدور الحقيقي للأسرة التي تعتبر نواة المجتمع وخط الدفاع الأول الذي يحمي الفرد فيها من كافة الاضطرابات النفسية والعصبية وتشكل الحصن الواقي من الوقوع في الزلل وسوء الأخلاق أو تكوين علاقات خارج إطار العلاقة الزوجية المشروعة أو حتى الوقوع في براثن المخدرات من خلال التأثير النفسي لأصدقاء وصديقات السوء الذين يزينون لغيرهم الوقوع في شرك العلاقات المشبوهة ومن ثم تعاطي المواد المحظورة والشواهد في ذلك كثيرة. وأشار إلى أن هناك العديد من حالات الطلاق حدثت بسبب "الواتس أب" بل إنني أذكر أن أحدهم قام بقتل زوجته وأم عياله بسبب شكه في سلوكها بعدما اكتشف وجود علاقات ودردشة مع رجال أجانب من خلال التواصل الإلكتروني، ولا يختلف الكثيرون معي أن الآثار السلبية كثيرة ومتعددة لكنها في نهاية المطاف تتوقف علينا نحن فقط، وتبقى التقنية سلاحا ذا حدين.