أحمد الحديدي إعلامي مصري مقيم بدبي كعادتي اليومية منذ أن كنت أعمل في "الإذاعة"، أستيقظ في الرابعة صباحا وأصلي الصبح في المسجد ثم أذهب إلى مبنى الإذاعة لقراءة أول نشرة إخبارية في السادسة صباحا... ظللت على هذه الحال نحو أربع سنوات كاملة وكان أصدقائي الذين يعشقون السهر يضحكون عندما تحين الساعة الثامنة والنصف، ويقولون تصبح على خير "عايزين نشرة حلوة في الصباح"... بعد أن تركت عملي الإذاعي لم أستطع التخلي عن عادة الاستيقاظ المبّكر وهو ما يتسبب لي في مشاكل كبيرة مع أسرتي خاصة أيام الإجازات وعطلات نهاية الأسبوع.. "يا بابا حرام عليك عاوزين ننام".... الحل بالنسبة لي كان الذهاب لممارسة بعض الرياضة الصباحية، ثم ارتياد المقهى الهادئ في مدينة دبي للإعلام للكتابة ومتابعة بريدي الشخصي والتواصل مع الأصدقاء والاستماع إلى بعض الموسيقى... عمال القهوة كانوا من الجنسية الفلبينية يحفظون طقوسي تماما... إفطار كونتنتال ثم كوب شاي كشري مع النعناع مع زجاجة ماء بارد، ويتركوني أعمل من غير إزعاج. وعندما أشير لأحدهم يعرف أنني سأغادر فورا ويحضر الحساب في الحال... كنت أستمتع بالحديث مع عامل الشيشة المصري المطحون "أشرف" الذي كان يخشى من مرض سرطان الرئة بسبب عمله الذي يجبره على التدخين طوال النهار... كان يبتسم للجميع ويقول صيحته الشهيرة "صبّح صبّح"، وبالرغم من أنه لم يكمل تعليمه الإ أنه كان متابعا عميقا للأحداث وفي رأيي الشخصي كان مُلماً بالعديد من الأمور السياسية والاقتصادية أكثر من المذيعين والمذيعات الذين أعمل معهم في محطة تلفزيونية معروفة. هذا الصباح قال لي النادل الفلبيني وهو في غاية الحزن "أشرف ما في.. خلاص"، وعندما سألته عن السبب قال إنه استقال وسافر إلى بلاده لرؤية زوجته التي تحتضر وأضاف أن الكفيل ساومه على مكافأة نهاية الخدمة مقابل إعطائه تأشيرة الخروج... لم أستطع تمالك نفسي وانفجرت في الفلبيني قائلا: بيسرق عرقه وتعب السنين الماضية من أجل حفنة دراهم حسبي الله ونعم الوكيل. يا ألله يدمرون سمعة بلاد الخليج من أجل بضعة آلاف من الدراهم كيف يقبل الكفيل الذي لا يستطيع أن يُحصي أمواله في البنوك هذه الدراهم المعدودة التي هي حق عامل بسيط كان يحلم بمكافأة نهاية الخدمة لكي يبني بيتا في بلده أو يبدأ مشروعا صغيرا... قررت كغيري من الزبائن الدائمين مقاطعة هذا المقهى تعاطفا مع قضية أشرف ويبدو أن المقاطعة أسفرت عن خسائر كبيرة مما جعل إدارة المطعم تتصل بالزبائن لمعرفة سر عزوفهم... ألو صباح الخير يا سيدي صباح النور نحن إدارة مقهى"...." ببرود شديد ....أهلا وسهلا. لماذا لم تأت إلى مطعمنا منذ مدة طويلة؟ أنا حر هل الخدمة سيئة؟ هل الأسعارغير مناسبة؟ هل الطعام غير طازج؟ أجبت بحدة وعصبية... لا.... أنتم تأكلون حقوق العمال باختصار أنتم "حرامية" ومحتالون.. مع السلامة. أغلقت السماعة وأنا غير نادم على الإطلاق وقلت لنفسي متى نستطيع تفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية في الوطن العربي مع التجار الجشعين حتى يرتدعوا... لقد شاهدت عام 1996 أثناء دراستي للإذاعة في مدينة ميونيخ الألمانية كيف تراجع التجار عن رفع سعر التفاح بعد أن قرر الجمهور مقاطعة شراء التفاح لارتفاع سعره ربع مارك فقط، وكيف اعتذر التجار وقدموا تخفيضات كبيرة كي لا تفسد بضاعتهم. المفاجأة: بعد عدة أيام جاءني تلفون من رقم غريب لا أعرفه من مصر... ألو أيوه ياحاج أنا أشرف "صّبح صّبح". أهلا يا أشرف أخبارك إيه؟ وانطلق في الكلام ولم يعطني أي فرصة للرد... الحمد لله أموري تمام.... زوجتي توفاها الله... ماتت على يدي وكانت سعيدة للغاية.. ولاد الحلال أرسلوا لي مبالغ كبيرة من دبي أضعاف مبلغ نهاية الخدمة... كان نفسي زوجتي تعيش.. كان نفسي أشتري الدنيا لها.... ماتت يا حاج... بكاء حار. لم أستطع الرد.