تخوض المملكة منذ فترة ليست قصيرة مفاوضات جدية مع عدة دول من أبرزها الولاياتالمتحدة الأميركية وروسيا والصين، لبناء مفاعلات نووية والحصول على التكنولوجيا النووية لاستخدامها في مجالات سلمية بحتة. بناء المفاعلات النووية المخصصة لتوليد الطاقة الكهربائية في المملكة لا اعتراض عليه، ولكن الخلاف يكمن في قضية تخصيب اليورانيوم، وإعادة معالجة الوقود المستنفد، وذلك لأن عملية التخصيب والمعالجة لا تفرق بين الاستخدام السلمي والعسكري، فيمكن تخصيب اليورانيوم لإنتاج وقود نووي أو لتصنيع قنبلة ذرية. المملكة ترغب في الحصول على تقنية التخصيب لأسباب منطقية، أهمها: 1 - تزويد مفاعلاتها المزمع إنشاؤها بالوقود النووي. 2 - امتلاكها 5 % من مخزون اليورانيوم الخام بالعالم. 3 - لا يوجد ما يمنع ذلك في المعاهدات الملتزمة بها المملكة. وبالتالي تحقيق اكتفاء ذاتي في إنتاج الوقود النووي، وعدم التأثر بالتقلبات السعرية التي قد تطرأ على أسعار اليورانيوم. المفاوضات الحالية مع الولاياتالمتحدة متوقفة على مسألة تخصيب اليورانيوم بالتحديد، فالقانون الأميركي يلزم الدول الراغبة في الاستفادة من التكنولوجيا النووية الأميركية بالموافقة على اتفاقية 123، التي تجيز للحكومة الأميركية منح الدول أو منعها من تقنية تخصيب اليورانيوم، وقد وُقعت هذه الاتفاقية مع كل الدول التي استفادت من التكنولوجيا النووية الأميركية، وتمت الموافقة على حق التخصيب لبعض من هذه الدول مثل اليابان والهند والأرجنتين. ولكن مع المملكة، فهم مصرون على أن تتخلى عن حقها في التخصيب فيما يعرف بالمعيار الذهبي «Golden Standard»، فالولاياتالمتحدة ترى موافقة الإمارات على هذا المعيار مثالا يحتذى به، وترغب في تطبيقه على جميع اتفاقياتها المقبلة. بينما تتمسك المملكة في حقها بالتخصيب، والمكفول لها بالاتفاقيات الدولية التي أُبرمت معها، ولا يظهر هناك أي انفراج في الأفق بين الإصرار الأميركي والرغبة السعودية. المشكل في المعيار الذهبي ليس عدم الحصول على تقنية التخصيب من الولاياتالمتحدة أو دول أخرى فقط، وإنما المنع حتى من إنتاجها محليا. قد لا تكون المملكة حالياً في حاجة ملحة للتخصيب، ولكنها بحاجة إلى ضمان حقها في امتلاك تلك التقنية لمستقبلها. هناك عدة محاولات للخروج من هذا الموقف المتصلب بحل وسط، مثل اقتراح بأن توقع المملكة على البروتوكول الإضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يتيح صلاحيات أكبر في عملية مراقبة البرنامج النووي السعودي. القلق الأميركي من قضية التخصيب نابع فيما يبدو من حساسية المنطقة، وما يحيط بها من حالة عدم استقرار، والخوف من أن تكون سببا في دخول دول المنطقة في سباق تسلح نووي، إضافة إلى المحافظة على أمن إسرائيل، وقد يكون تصريح ولي العهد بأن المملكة سوف تطور سلاحا نوويا في حال حصلت عليه إيران، زاد من تلك المخاوف. إن ما حصل في العراقوإيران وليبيا ودول أخرى من محاولة تحويل التقنية النووية لاستخدامات عسكرية، استدعى المجتمع الدولي لزيادة التشديد على نقل المواد والمعدات النووية إلى دول غير نووية، وهناك إجماع واتفاق دولي على هذه الخطوة فيما يعرف بمجموعة الموردين النوويين (Nuclear Suppliers Group) والتي أنشئت في عام 1975 وتضم حالياً 48 دولة. والهدف منه فرض قيود على تصدير المواد والمعدات ذات الطابع المزدوج (السلمي والعسكري) في المجال النووي. وهناك هدف اقتصادي أيضاً من خلال ضمان سوق الوقود النووي مع الدول غير النووية، ولا يتوقع من أي من هذه الدول نقل تقنية التخصيب إلى المملكة. وهذا ما دعا إيران للجوء إلى طرق ملتوية وسرية في بناء منشآتها التخصيبية محلياً، والاستعانة بأشخاص ومنظمات خارجية، كشبكة الدكتور عبدالقدير خان وبعض الخبراء الأوروبيين، فالحليف الروسي لإيران لم ينقل لها تقنية التخصيب وإنما اقتصر دوره على بناء المفاعلات وتزويدها بالوقود النووي. قد يتعين على المملكة الاستمرار في الضغط على الإدارة الأميركية لإقناع الكونجرس بالسماح لها بتخصيب اليورانيوم، خصوصاً وأن الصناعة النووية الأميركية تعاني كساداً كبيراً في الفترة الحالية، ولا يوجد ما يبرر حرمان المملكة من حقها السيادي المتمثل في تخصيب اليورانيوم، والمنصوص عليه في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والقائمة على تعهد الدول النووية بتزويد الدول غير النووية بالتكنولوجيا النووية بما في ذلك تخصيب اليورانيوم في مقابل عدم سعي الدول النووية في الحصول على السلاح النووي. السماح للمملكة بتخصيب اليورانيوم متوقف على دبلوماسيتها، وعلى «طول نفسها» في المفاوضات، وقد يتطلب منها تقديم بعض التنازلات، فمن الممكن أن تنظر المملكة مثلاً في مسألة تأجيل التخصيب إلى فترة ما بعد تشغيل مفاعلاتها من 15 إلى 20 سنة، أو الموافقة على مزيد من الرقابة على منشآت التخصيب، ولكن لا تمنع منه نهائياً، فقد ظل الإيرانيون في مفاوضات لأكثر من 12 سنة إلى أن حصلوا على حق التخصيب في اتفاقهم النووي السابق.