الكل منا يقر أنَّ هناك نقصًا حادًّا في نسبة السيولة المالية بالسوق، وله العديد من الأسباب وليس المقال كافيّا لشرحها أو محاولة وضع حلول لها؛ لأنَّ لكل تحدٍّ اقتصادي قرارا يقوده إما يحله أو يخلفه. أما لُب الموضوع الذي آمل مراجعته وهو حقوق المقترض وطرق التحصيل المعمول بها، ونظام شركة السجل الائتماني "سمة" والآثار المترتبة من هذه المنظومة التمويلية، وخاصةً ضرر التعثر المالي حيث كان سابقًا يمس فقط محدودي الدخل والطبقة المتوسطة من المرهونين للبنوك من القروض الاستهلاكية بحدود 348 مليار ريال وغيرها... والآن بعد النقص الشديد للسيولة فقد عمت القروض البنكية 1.3 ترليون ريال وتجاوز الضرر إلى أنْ أصاب جميع أعضاء وأفراد الاقتصاد من تجار ورجال أعمال وشركات ومؤسسات. لذا وجب علينا إعادة النظر في المنظومة المالية التمويلية ودوائرها قبل أنْ يصل رحاها لتأكل الأخضر واليابس من الاقتصاد وإنجازاته، ووجوب إيجاد جهة توازن تقابل ثقل وعنفوان البنوك والجهات التمويلية وشركات السيارات وسمة لتعديل سياستها من القروض والتحصيل والسجل الائتماني؛ خاصةً أنَّ الوطن برمته يعاني من نقص حاد وإحجام سيولة وحالة ترقب ومحدودية فعالية السياسة المالية. ففي أجواء اقتصادية كهذه والجميع يعيشها وحالة ترقب ضبابية تحيط بنا يجب أنْ تكون الجهات التمويلية من بنوك وشركات تمويل وتمويل سيارات وغيره أكثر مرونة وتفهما لهذه المرحلة ومتطلباتها، وأنْ يُعاد النظر في سياسة القروض وتحصيلها ونظام السجل الائتماني "سمة"، فما كان يصلح للسابق وقت الرخاء الاقتصادي لا يصلح للوقت الحالي من الشدة والنقص المميت في السيولة، ويجب أنْ يأتي الدور الاجتماعي والأخلاقي لهذه المنشآت أولًا قبل العائد التجاري الجشع وليس العكس، وخاصةً أنَّ أغلب الجهات التمويلية حققت وتحقق أرباحًا خياليةً من هذا الوطن وأبنائه يصل صافي أرباحها الى ضعف رأس المال خلال عامين، وهذا من أعلي مستويات العالم أرباحًا، وأيضًا تفخر البنوك والجهات التمويلية بأنَّ نسبة تعثر الديون عندنا بالمملكة هي الأدنى بالعالم 2%، فلا يجب أنْ يؤخذ تدني نسبة التعثر للقروض أو ما تقوم به إنجازا للقطاع المالي بل قد تكون هذه الأنظمة المالية وسجلها "سمة" عقبةً وتعثرًا اقتصاديًّا لعدم تحرك الجهات التمويلية للقيام بدورها الاجتماعي الصحيح بجانب الربحي كما هو معمول به بباقي دول العالم فتخنق الجميع بما فيها نفسها وينقلب السحر على الساحر! فلو نظرنا على سبيل المثال إلى دور شركة السجل الائتماني "سمة"، فقد تجاوز من شركة سجل ائتماني وليدة من رحم البنوك إلى دار عقاب أبدي الزمن. ومن بعض الإشكاليات في هذا السياق:- 1- عندما يوضع الشخص المتعثر بسجله الائتماني ب (سمة) "أنه متعثر أو كمتأخر" فهذا عقاب ومن المفترض أنْ يُكتفى بهذا العقاب فقط وهو حرمانه من التعامل الائتماني وليس توقيف تعامله المصرفي أيضًا. 2- فلا يقبل عقل أو منطق أو نظام أنْ يكون العقاب مرتين أو أكثر لنفس الفعل، فنجد أنَّ شركات التمويل والبنوك والمعنيين بالإقراض في عملية التحصيل قد يصل بهم الأمر لمطاردة المقترض وكأنهم برحلة مقناص للحيلولة منه، وبعد إيقاعه بشباكهم يجروه إلى المحاكم أو إلى قاضي التنفيذ ليصدر عليه حكمًا مباشرًا بالسجن "نظام الكمبيالة"، فكم من مرة عوقب المقترض! يُلاحظ أنَّه وُضع على سجل المتعثرين بسمة وهذا عقاب، ومن ثم طورد بالتحصيل بأبشع الطرق وهذا الثاني، والثالث سُحب مكرهًا إلى المحاكم، والرابع السجن، والخامس لا يسقط اسمه من سجل سمة الائتماني إلى أبد الآبدين، والفضيحة وهذا عقاب سادس، فأي منطق وحال كهذا يقبل!. 3- فترة العقاب في السجل الائتماني كمتعثر يجب أنْ تُحدد بفترة زمنية وأنْ لا تُترك إلى أبد الآبدين كما تفعل سمة وتوجيهاتها البنكية. ففي أميركا وهي أم الرأسمالية ومصدر إلهام لكل الأنظمة المالية والسجل الائتماني (Credit Bureau) والتمويل المالي يُوضع الشخص المتعثر على السجل الائتماني لفترة محدودة وإذا أعلن التفليس، أما شبتر (chapter) 7 أو 11 أو 13 تكون كلها محدودة الزمن لمدة تصل إلى سبع سنوات فقط. لِمَ لا يحق للمقترض عندنا أنْ يبدي اعتراضه على المقرضين ويسجل ذلك بالسجل الائتماني ولا يؤخذ برأيه، ويجوز فقط تسجيل ملاحظة الجهة الممولة وليس المقترض، فهذا ليس مقبولًا لا عُرفًا ولا شرعًا بأغلب دول العالم ما عدا عندنا. 4- يجب تسهيل إجراءات مَن عليه إعلان العسر ماليًّا وإدخال المكننة في هذه العملية من إعلان التفليس بدرجات عبر الإنترنت، وذلك لأنَّ الغرض هو إيجاد مخرج للمقترض وإيقاف الضغط المالي من المحصلين والقانونين ضد أبناء وأهل الوطن المقترضين، وليس الغرض هو الخنق البطيء للمجتمع أو دمارهم أو زجهم بالسجون وإشغال وتكليف الدولة ومرافقها بالأمور المالية التعسفية والتي قد تكون في أغلبها أنَّ حالة المقترض لا تحايل بها؛ بل هي سوء إدارة مالية عند البعض من المقترضين آلت به إلى هذه الحالة التعيسة من الدَّيْن أو ضعف دخل مزمن أو غيره. فنرى أنَّ أعداد القضايا المالية في المحاكم والشرطة وجميع الجهات الحكومية في تزايد مخيف لعدم التزام الأغلبية بالدفع وخراب البيوت والمستفيد الأكبر فقط الجهات التمويلية، والجميع يعمل لها لتحقق أعلى مستويات الأرباح. أرجو من رئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الموقر أنْ يأخذ مبادرة صياغة حقوق المقترض، وكبح جماح المقرضين التعسفي، وإيجاد توازن من مبدأ لا ضرر ولا ضرار بين المقرض والمقترضين، وإنْ كان لابد فلنطبق النظام بما له وما عليه وبما يحمي الجميع وليس فقط المقرضين، حيث إنَّ المقترضين لا جهة لهم تمثلهم أو تدافع عن حقوقهم أو ترفع أصواتهم، كما أنَّ للمقرض حقوقًا ولهم الغلبة من قوة البنك المركزي وتحالف منظم وسجل ائتماني ونفوذ وغيره، فيجب أنْ يكون للمقترض حقوق ومراعاة، وإلا فإننا ننظر ونعيش حالة انفجار غير طبيعية، والكل مشغول بالآخر ما بين التحصيل والتسجيل والسجن، وتُرهق الدولة ومرافقها ورجالها ماليًّا وجهدًا، وفي النهاية دمار وضرر للجميع، ويتحول المجتمع بلا رجعة من مجتمع أخلاقيات وروحانيات إسلامية إلى مجتمع مادي قبيح المعالم دون أي إنتاجية سوى ضرر الجميع. نقلا عن الرياض *اقتصادي مالي رئيس مجلس إدارة مجوعة السامي القابضة