المسؤولية الاجتماعية للشركات كمفهوم عصري أمر مستجد على المجتمع السعودي، حتى وإن كان له أصوله في الشرع الإسلامي في الحث على البر والتعاون من منطلق أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. وإذا كانت نشأته في المجتمعات الرأسمالية الغربية رغبة من الشركات في تحسين صورتها التسويقية وتعزيز ولاء عملائها وتطوير البيئة المحلية والحصول على الدعم والتسهيلات الحكومية، فإن الدافع في بيئة الأعمال السعودية هو نتيجة للتحديات والمشكلات الاجتماعية التي برزت وتفاقمت وأصبحت كالطود العظيم، على الرغم من الإنفاق الحكومي السخي. لقد بدا واضحا أن المؤسسات الخاصة التي تستحوذ على نصيب الأسد من هذا الإنفاق كان عليها إعادة بعض ما جنته من أرباح وعوائد ضخمة للمجتمع في هيئة مشاريع وبرامج تلبي احتياجاته وتسهم في معالجة مشكلاته. وهنا تبرز أهمية طرح عدة تساؤلات تتعلق بكيفية تطبيق المسؤولية الاجتماعية بما يتناسب مع البيئة السعودية، القصد منها تسليط الضوء على الجوانب التي يلزم أخذها بعين الاعتبار لضمان نجاح تلك البرامج الاجتماعية للشركات. هذه التساؤلات هي: ما المطلوب من الشركات السعودية فعله تجاه المجتمع؟ ما الدور المتوقع؟ ما الأولويات المجتمعية والقضايا الحرجة التي تستدعي مساهمة الشركات السعودية وتجعلها أكثر فاعلية؟ هل من مصلحة الشركات السعودية تقديم برامج وأنشطة مجتمعية؟ أم يجب إلزامها نظاميا بالمساهمة في التنمية المحلية؟ ما البرامج المطلوبة اجتماعيا؟ هل سيكون من المفيد تكوين مجلس وطني للمسؤولية الاجتماعية؟ ما الدور الذي ستلعبه جائزة الأمير مقرن بن عبدالعزيز كمبادرة يقودها مسؤول حكومي رفيع المستوى في تحفيز وتثقيف مؤسسات القطاع الخاص بالمسؤولية الاجتماعية؟ جميعها أسئلة مهمة وأهميتها تنبع من بروز أهمية مساهمة القطاع الخاص في تنمية المجتمعات المحلية، التي تواجه تغيرات اقتصادية وسياسية وسكانية وتقنية وثقافية كبيرة ومتسارعة. لقد أصبحت القضايا المجتمعية أكثر تعقيدا وتتطلب حلولا مبتكرة وبالسرعة ذاتها، ومشاركة فاعلة وجدية ومسؤولة من مؤسسات القطاع الخاص بدلا من الدور السلبي والاكتفاء بالاقتيات على الإنفاق الحكومي دون عائد اقتصادي مجز على المجتمع. فمعظم الأنشطة التجارية والصناعية والعقارية لا تسهم في إنتاج قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. فلا مخططات عقارية توفر أراضي بأسعار تناسب دخول الأفراد، ولا مساكن اقتصادية، ولا صناعات تحويلية، ولا منتجات مبتكرة تجعلنا في وضع تنافسي أفضل عالميا. هناك فرق بين أصحاب مشاريع ينتجون سلعا استهلاكية تجميعية تتطلب عمالة أجنبية رخيصة غير ماهرة همهم جني أرباح سريعة، ومستثمرين أنشأوا مصانع تعمل بتقنية عالية لإنتاج سلع رأسمالية مبتكرة توفر وظائف ذات أجور عالية تتناسب مع مستوى الكفاءات الوطنية ومستوى المعيشة في الاقتصاد الوطني. إن اقتصادنا يستحق أن يكون أكثر كفاءة وفاعلية، وعلينا إلا نغتر بالانتفاخ المالي ونظنه إنتاجا أصيلا يعكس الجهد الفكري والعضلي. هذا الضعف التجاري والصناعي وإن كان مربحا للبعض على المستوى الفردي، إلا أنه يمثل في واقع الأمر خسارة للاقتصاد الوطني، ولا يسع المحلل الراصد للحالة الاقتصادية الوطنية، إلا إدراك انحسار الطبقة الوسطى واتساع الهوة بين الأكثر والأقل حظا في المجتمع بشعور يخالطه الاستغراب والدهشة والحزن. فذلك لا شك له تداعيات خطيرة جدا على إنتاجية الاقتصاد وأمن المجتمع واستقراره، وسيكون أول المتضررين من الأوضاع المستقبلية إذا لم تصحح أصحاب الشركات والمصانع. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى قضية غاية في الأهمية والتنبه إليها والاعتراف بها، وهو أن النمو الاقتصادي وإن كان مطلوبا إلا أنه لا يكفي كهدف يراد تحقيقه على المستوى الوطني، وإنما لا بد من أن تتضمن السياسات الاقتصادية الحكومية آليات لإعادة توزيع الدخل. هذا يعني أن تأخذ سياسات الإنفاق الحكومي في الحسبان تحقيق المصلحة العامة بضمان استفادة جميع فئات المجتمع منه بطريقة عادلة. على سبيل المثال يفترض أن يتم تقديم القروض الحكومية الاستثمارية باشتراطات محددة تضمن تحقيق أهداف وطنية استراتيجية وليس الاعتماد فقط على دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات المقترحة مبنية على حساب طلب آني استهلاكي في السوق. إن من أهم أهداف الخطط الوطنية الخمسية تنويع القاعدة الاقتصادية وتنمية وتوظيف الموارد البشرية، إلا أنه وحتى هذه اللحظة لم يتم تحقيق ذلك كما رسم له. إن غياب استراتيجية وطنية للأعوام ال 30 المقبلة يجعل من الصعب معرفة الأولويات الوطنية وكيفية تحديد أدوار ومسؤوليات وحجم مساهمة الشركات في التنمية الوطنية. وإذا كان ذلك صعبا على المستوى الوطني فإنه ليس مستحيلا على مستوى المناطق والمحافظات والمدن إذا تمكنت مجالس المناطق والمحافظات (المحلية) والبلديات، من وضع رؤية محلية مشتركة واستراتيجية تحدد الأولويات وما ينبغي عمله لتحسين جودة الحياة في المجتمعات المحلية. فالمحليات مكان الفعل الاجتماعي والأنشطة والأحداث، وإذا استطاعت المجالس النيابية المحلية تحديد الفجوة التنموية، فإن ذلك ادعى لتحديد الاحتياجات المحلية وتصميم برامج المسؤولية الاجتماعية وتحقيق الأثر الاقتصادي والاجتماعي المطلوب. فالمسؤولية الاجتماعية لا تتعلق فقط بحجم التبرعات المالية، وإنما بأوجه الصرف على برامج ومشاريع اجتماعية مستدامة تلبي الاحتياجات المجتمعية ذات الأولوية القصوى. وهنا لا بد من التأكيد أنه ليس باستطاعة الشركات وحدها تحديد البرامج المطلوبة اجتماعيا وإنما لا بد من عمل مشترك بين جميع مكونات المجتمع المحلي المؤثرين والمتأثرين بالبرنامج. وسيكون من الخطأ أن تقوم الشركة، باتجاه واحد، بفرض برامجها من منطلق التكرم والصدقة وليس كواجب ورغبة واهتمام يحتم تلبية الاحتياجات الحقيقية للمجتمع المحلي. فالقصد من برامج المسؤولية الاجتماعية هو تحقيق التناغم بين الشركة والمجتمع في إطار يحقق المنفعة للجميع. وعلى أية حال فإن قضايا الفقر والبطالة والسكن تمثل أولوية اجتماعية واقتصادية وأمنية، وبالتالي يستلزم أن تركز تلك البرامج عليها. وإذا كانت بعض هذه المشاريع تستلزم موارد مالية ضخمة، فإنه بالإمكان تعاون عدة شركات في إنجاز هذه المشاريع. وتظل تلك الأسئلة التي طرحت في أول المقال ومحاولة الإجابة عنها منطلقا لتحديد هوية المسؤولية الاجتماعية للشركات السعودية وكيفية مساهمتها بكفاءة وفاعلية واستجابة لمتطلبات المجتمعات المحلية نقلا عن الاقتصادية السعودية