«من فضلك لا تفسد دوائري؟ هكذا خاطب أرخميدس الجندي الروماني الذي اقتحم بيته في زحمة الفوضى وقرقعة السلاح، بعد أن سقطت سيراكوزة، عاصمة صقلية تحت الهجوم الروماني. كان جواب الجندي الروماني طعنة بالسيف أزهقت أنفاس العالم. هكذا تقول الأسطورة! ولكن الحقيقة يبدو أنها كانت من نوع مختلف.. فأرخميدس كان ضالعًا في المقاومة العسكرية، يسحق القوات الرومانية بمنجنيقات هائلة، ويلقي بالكماشات العملاقة فتقضم مراكبهم، أو يرسل أشعة الشمس المركزة فيحرق سفنهم، وبذلك كان يقاتل أفضل من فرق عسكرية مدربة. وسيف الجندي الروماني حين أصاب مقتله كان بالنسبة لروما الرأس المطلوب. عاش أرخميدس في القرن الثالث قبل الميلاد، وسط المعارك البونية بين روما وقرطاج، التي كانت الحروب العالمية في العالم القديم. في هذه الحروب الضروس كان حظ صقلية سيئا، ومعها قدر العالم الجليل (أرخميدس) فقد كانت صقلية في الطرف المهزوم، فخسرت الرهان ودمرت واحتلت وألحقت بروما. ترك لنا أرخميدس روعات من الكشوفات العلمية؛ فهو من فتح الطريق لرياضيات التفاضل والتكامل، وهو من وضع لعبة للأطفال اسمها (ستوماشيون) من 14 قطعة، تنقسم إلى مربعات لا نهاية لها في علم الاحتمالات، لم يفكها إلا أربعة علماء عام 2003م وتبين أنها 17152 احتمالا. وهو الذي أوصل الرياضيات إلى ما بعد الفاصلة، في حساب مساحة الدائرة، ما عرف بال (بي 3.14). وهو الذي اكتشف قانون الرافعات. ويقال إنه أنزل سفينة (سيراكوزيا) التي كانت تزن 4000 طن بروافع يحركها بأصابعه؟! كأنها الجان. وهو الذي كشف عن قانون (الكثافة النوعية) وقانون الإزاحة؛ فكشف سر نقاوة تاج الملك، هل كان ذهبا أو مغشوشا؟ فخرج من الحمام في لحظة تجلي العبقرية عاريا يصرخ (أويريكا .. أويريكا.. أي وجدتها وجدتها؟). وهو الذي تكلم عن قانون الجاذبية بطريقته الخاصة. وهو الذي تصور الكون أنه مكون من ذرات تبلغ عشرة مرفوعة إلى القوة 63، ولم يكن في عصره من يتصور رقما أكبر من عشرة آلاف كان يطلق عليه (الميراد)، فدفع أرخميدس الأرقام إلى اللانهاية. وبلغ من ثقته بقوة قانون الرافعة أن قال؛ أعطوني نقطة ارتكاز في أي مكان، وأنا سأحرك لكم الكرة الأرضية؟