"زين السعودية" تحقق نمو في صافي أرباحها بنسبة 39.5% للربع الأول من العام 2025م    الدولار يستقر قبيل اجتماع البنك المركزي الأمريكي    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    وزير الصناعة والثروة المعدنية يبحث الفرص المشتركة في صناعتي الطيران والأقمار الصناعية مع قادة شركة "إيرباص"    مؤتمر للأبحاث الصيدلانية والابتكار    رفع الوعي المجتمعي حول الصدفية والتهاب الجلد التأتبي    موقع حائل الاستراتيجي ميزة نسبية يجذب الاستثمار    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    ميليشيا الحوثي تدفع البلاد نحو مزيد من التصعيد .. ضربات إسرائيلية متتالية تعطّل مطار صنعاء    في حال استمرار دعم الغرب لأوكرانيا ب"باتريوت".. موسكو تحذر من تراجع فرص السلام    غزة.. المجازر تتصاعد والمجاعة تقترب    الهند وباكستان تصعّدان وتتبادلان قصفاً على الحدود    في ختام الجولة ال 30 من دوري روشن.. كلاسيكو يجمع النصر والاتحاد.. ومهمة قصيمية للهلال والأهلي    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. النجمة للاقتراب من روشن.. والحزم يطارده    كبير آسيا    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    التعليم عن بعد في متناول الجميع    تسري أحكام اللائحة على جميع الموظفين والعاملين.. إجازة "فحص المخدرات" بما يتناسب مع طبيعة العمل    أمانة جدة تضبط 9.6 أطنان من الغذاء الفاسد    المرور: الالتزام بقواعد السير لحياة أكثر أمانًا للجميع    «متلازمة داون».. تمكين ومشاركة مجتمعية    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    اغتيال المعلّم بدم بارد    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    «طريق مكة» تجمع رفيقي الدرب بمطار «شاه» الدولي    دشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام.. أمير تبوك: القيادة الرشيدة حريصة على تعزيز جودة الحياة واحتياجات المجتمع    8.4 مليار تمويل سكني    إصابات الظهر والرقبة تتزايد.. والتحذير من الجلوس الطويل    فيصل بن مشعل: منجزات جامعة القصيم مصدر فخر واعتزاز    أمير الرياض يستقبل سفير إسبانيا    ..و مشاركتها في معرض تونس للكتاب    «سفراء» ترمب في هوليوود    "البحوث والتواصل" يشارك في المنتدى الصيني - العربي    أمير الجوف يزور مركزي هديب والرفيعة    تدريبات جوية صينية - مصرية    «فيفا» يصدر الحزمة الأولى من باقات المونديال    «أخضر الصالات» يعسكر في الدمام    القادسية بطل المملكة للمصارعة الرومانية    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    اتفاقيات بالعلا لتدعيم السياحة    68.41% من الموظفات الجامعيات حصلن على تدريب عملي    الحوثي يجر اليمن إلى صراع إقليمي مفتوح    القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    منح البلديات صلاحية بيع الوحدات السكنية لغير مستفيدي الدعم السكني    المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية    الداخلية: غرامة 100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرة الزيارة إلى مكة ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الخزي وثقافة الذنب
نشر في الشرق يوم 19 - 02 - 2013

تتحفنا الأخبار الغربية بين حين وآخر بمانشيتات مثيرة حول استقالة مسؤول ما إثر فضيحة، أو اعتراف مسؤول آخر مصاحبا بتأنيب ضمير، تعقبه استقالة غالبا. هذا الأمر لايبدو غريبا بل مألوفا. هل يحدث هذا في عالمنا العربي؟. أعتقد أنكم تعرفون الجواب. وعلى أية حال ليس هنا محور الحديث الذي سيأتي، إنما هو فلاشة سريعة للثقافة التي ترتبط غالبا ببنية وثقافة المجتمع. يقسم علماء الاجتماع الثقافات من حيث تعاملها مع «الخطأ» إلى الثقافات المبنية على الشعور بالخزي shame based cultures، ومثالها المجتمعات العربية عامة، والثقافات المبنية على الشعور بالذنب guilt based cultures، ومثالها المجتمعات المدنية/ الغربية عامة.
فحين يصدر خطأ ما من شخصية، ذات خلفية ثقافية قائمة على الشعور بالذنب، يصدر عنها شعور عميق بوخز الضمير الفردي، وقد يحدث ردة فعل أقوى من استقالة مسؤول كما في مثالنا الأول، كالانكفاء والألم أو حتى الانتحار. وهنا أتحدث بشكل عام دون النظر إلى الاستثناءات. أما حين يصدر خطأ ما من شخصية ذات خلفية ثقافية قائمة على الشعور بالخزي فيحدث شعور بالخزي إذا تهدد الأمر بالافتضاح فحسب. والمجتمعات العربية قائمة على ثنائية العار والشرف، وهي مجتمعات قبلية الأصل تحتفظ بالإرث القبلي والعشائري في تشكيل الشخصية الفردية، التي هي شخصية المجتمع. وغالب القرارات يتخذها الناس في هذه المجتمعات على هذا الأساس.
الضمير الفردي العربي هنا مرتبط بشعور الجماعة وسمعته بينهم وسمعة المحيط الأكبر الذي يحتويه. وإذا لم يصل خبر الخطأ للجماعة وانحصر بنفس الفرد، فالأمر على ما يرام. إذن تجنب الخطأ ليس مبنيا على الشعور الفردي بل على افتضاح الأمر، وسيفكر الفرد «طالما أنه لم يعلم أحد فلا قلق والكل يخطئ». في المجتمعات المدنية، الضمير مرتبط بشعور الفرد بالذنب الداخلي ،لارتكابه ما يتناقض مع قيمه الأخلاقية وقيم المجتمع المنتمي إليه سواء اكتشف ذلك أم لم يكتشف. هذا هو الفارق الذي يجعل المسؤول في هذه الثقافات يستقيل، أو ينتحر في هذه الحالة.
لا أريد التطرق إلى الدين في تشكيل الخلفية الثقافية فهذا تجنٍ غير منصف. المناقشة هنا ليست حول الإسلام كخلفية إثنية بحسب المنطقة. وإسقاط ذلك على الثقافة الإسلامية من قبل بعض الغرب ما هو إلا تسطيح مفرط للثقافة الاجتماعية باعتبار أن المسلمين هم في الحقيقة من ثقافات مختلفة بين الشرق والغرب، ومن بينها الوسط الأمريكي والأرووبي والشرق آسيوي. والمسلمون في نهاية الأمر هم نتاج الثقافة والبيئة وليسوا نتاج الخلفية الدينية. لكن لا ينبغي أن لاننكر أن تأثير الفضيلة وسلوكياتها في المجتمعات المسلمة كسلوك هو تأثير ديناميكي على العالم الإسلامي ككل. والإسلام نفسه يعلِّم ويحث على الشعور بالذنب في سياقات الفعل الديني، لا الخزي وهذا جلي في القرآن الكريم في وصف «النفس اللوامة».
في العالم العربي يعيش البعض منا حياة مزدوجة المعايير بين الخاص والعام. ويحدث انفصال بين الشخصيات أحيانا. لذا تتحد هذه الازدواجية مع الثقافة فينتج شيزوفرينيا اجتماعية. بعكس الغربي ذي الثقافة القائمة على الذنب والضمير في أفعاله، فتجده يقاتل ويضحي من أجل الدفاع عما يؤمن به، فشعوره الذاتي حول نفسه هو المسيطر. في المقابل هناك في العالم العربي ما يعرف بالقتل من أجل الشرف. ومن يأتي بالعار للعائلة أو القبيلة قد يقتل. سواء كان غريبا أم فردا منها. لا يهم. لذا تتضارب الأفكار بين الشرق وبين الغرب، بين ما يعتقدونه حقاً وما نعتقده عاراً. فيقاتل كل من الجانبين بنفس القدر من الشراسة لما يؤمنون به.
المجتمعات القائمة على الخزي توظف الخزي للتأثير على السلوكيات التي تقود إلى جرح الذات بدلا من الشعور بالذنب. ووفقا لذلك، الفرد في المجتمعات القائمة على الذنب قد يقول «لقد فعلت شيئا سيئا» ويلعب الضمير دورا في هذا الشعور. في حين يقول الفرد في المجتمعات القائمة على الخزي «أنا سيئ». هكذا. الفرد في الثقافة الثانية هو فرد جماعي، وهو كبش فداء. لذا جاء فكر الإرهاب، على سبيل المثال، فكرا جماعيا يسعى لإتلاف الممتلكات والأرواح دون تصنيف للأبرياء.
إذن السؤال هنا: كيف لنا أن نستزرع ثقافة مدنية حضارية جديدة تتأسس على ثقافة الشعور بالذنب؟ الثقافة الجديدة تنمو مع إطار متكامل من الثقافة الاجتماعية. لكن بالإمكان أيضا أن تؤسس في «ثقافة العمل» إذا لم تتح الفرصة لتأسيسها بين الأسرة والمدرسة وباقي المجتمع، لتدرب الفرد على المسؤولية وترقية عمل الضمير. وليس بعيدا عن ذلك تجربة مؤسسات كبرى سعودية تأسست على ثقافات عمل رفيعة، وبها نسب عالية من النجاح في التكوين الثقافي المنضبط، الذي يحفز عمل الضمير الذاتي على الفكر الجماعي. وهذا يترك أثره على الفرد، ومن ثم على المجتمع ككل بطبيعة الحال. إنها دعوة للتفكير معا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.