في المدنِ التي لم أرَهَا منذُ أمدٍ المدن المُوحشة كليلٍ مغبر المؤلمة، كجمرةٍ في كفِّ طفلٍ لا أرى ولا أسمعُ إلا صوتَ الطفلِ بداخلي ناقص المسرَّاتِ، كامل الخسارة الطفلُ الذي نَسِيَ كيف يبكي ولا فرقَ في بكائِه لدى الآخَرِين. لن أتلمَّسَ ندوبَ الممرَّات الممرَّاتُ الدَّافِئَةُ التي جمعتْنِي بمن أحبُّ ومَن أكرهُ على حدٍّ سَوَاء الندوبُ التي أخذَها الماضي وطواها تحتَ إبطَيه لن أرى الشقراءَ عاليةَ النظرة، خفيفةَ المرور لن أرى صوتَها يسدُّ على الجدران شقوقَها الدَّاكِنَة. الصبيةُ الذين افترشوا طفولتِي أخذُوا كلَّ مهاراتِ الفرحِ بقلبي، أقفلوه وتناهبوا المِفتَاح. أمَّهَاتي الكثيراتُ فُرِّقْنَ في الأمصَار يباعدُ الرملُ بينهنَّ والعِتَاب ويحتفلُ الغيابُ بصورِهنَّ في رأسي قد ألقى النحاتُ على وجوهِهنَّ سحرَه فشحبت شعورُهنَّ وعاثت بغضارتِهنَّ الأيام. الطفلُ الذي في داخلي تركتُه، آخر مرَّة، يركضُ على تل يفصلُ دجلةَ عن بيوتِ الآمنينَ بالله بينما شمسٌ صافيةُ الضوء تربي على جبينِه حبَّاتِ عَرَقٍ كاملةِ المعنى …. مازال يركض ومازال الحلمُ أخضر.