ليس أقسى على المبدع من الشعور بالظلم، حينما يتجرع التهميش والإقصاء، في الوقت الذي ينعم غيره بالضوء والاحتفاء، ومما يزيد من ألمه ومعاناته أنّ كثيراً من أولئك المحتفى بهم لايملكون الحد الأدنى من موهبته، ومع ذلك وفي ظل المحسوبيات، فلهم الحضور وله الغياب، ولهم الاهتمام وله الإهمال! الشاعر المتفرد: (محمد عيضة) أحد أهم الأسماء في ساحة الشعر العامي، يمتلك موهبةً خلاقة، وحساً شعرياً مرهفاً، لايكتب إلا ما يمثله كأيٍ مبدعٍ حقيقي، يخلص لموهبته وفنه بعيداً عن الحسابات الخاصة، وإملاءات نوافذ التلميع التجارية، في زمن الظهور الكاذب والشهرة الزائفة! مشكلة هذا الشاعر وأمثاله من المبدعين الحقيقيين، أنهم لايجيدون لعبة الوجود في زمن المصالح، ومن سوء الحظ أنهم ليسوا من ذوي (المواهب المتعددة)، والأوجه المتلونة، لذلك لاتنطبق عليهم المقاييس التي تتبناها منابر الزعيق، وتسوقها قنوات (تسليع الشعر)، وتشويه الأدب والثقافة، فلايمكن أن يكون (محمد عيضة) إلا (شاعراً فقط)، بينما تُفضل تلك المنابر والقنوات من يستطيع أن يكون (ممثلاً ومهرجاً وبهلواناً) في الوقت نفسه، وإن لم يمتلك من الموهبة إلا القشور! كذلك فإنّ التركيبة النفسية الخاصة للموهوب، والحالة المزاجية التي يتسم بها، تجعله خارج نطاق (التأطير والتدجين) الإعلامي، لأن المبدع لايمكن إلا أن يكون متمرداً وثائراً، لايقبل القيود، ولايخضع للمزايدات، ويتمسك بالمبادئ والمثاليات، في حين أنّ التملق والمجاملات أصبحتا الثمن الوحيد للشهرة والفلاشات! لذلك كله، فإنّ قَدَر محمد عيضة أن يكون غريباً بين أشباه الشعراء، كما أنّ قَدَر البلبل أن يكون صوته نشازاً بين أسراب الغربان والناعقين، فلا تلوموه إن كتب ذات ألم: بين شُعَّار جيلي والجماهير غربتي واسعة من كربة الضيق لا انشهرتم فأْنا بين المشاهير “مصحفٍ منهجر في بيت زنديق”!