الذهب يستعيد مستوى 4000 دولار    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب شمال مصر    مدير عام الدفاع المدني: استضافة المملكة لبطولة الإطفاء والإنقاذ تعكس جهودها في تعزيز التعاون الدولي    اقتصاد كوريا الجنوبية يسجل أسرع وتيرة نمو    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. «مستقبل الاستثمار» يرسم ملامح النمو والتقدم للبشرية    ارتفاع تاسي    ضبط مشعل النار في «الغطاء النباتي»    كباشي: شكراً صحيفة «البلاد»    قدم الشكر للقيادة على الدعم الإنساني.. مصطفى: السعودية خففت معاناة الشعب الفلسطيني    مطالب دولية بحمايتهم.. «الدعم السريع» يقتل مدنيين في الفاشر    اقتحموا مقرات أممية بصنعاء.. الحوثيون يشنون حملة انتقامية في تعز    القيادة تعزّي ملك مملكة تايلند في وفاة والدته الملكة سيريكيت    بثلاثية نظيفة في شباك الباطن.. الأهلي إلى ربع نهائي كأس خادم الحرمين    في ختام دور ال 16 لكأس الملك.. كلاسيكو نار بين النصر والاتحاد.. والهلال ضيفًا على الأخدود    الهلال بين فوضى جيسوس وانضباط إنزاغي    الدفاع المدني.. قيادة تصنع الإنجاز وتلهم المستقبل    لماذا يعتمد طلاب الجامعات على السلايدات في المذاكرة؟    شدد على تعزيز أدوات التصدير والاستثمار المعرفي.. الشورى يطالب بالرقابة على أموال القصر    « البحر الأحمر»: عرض أفلام عالمية في دورة 2025    العلا تفتح صفحات الماضي ب «الممالك القديمة»    350 ألف إسترليني ل«ذات العيون الخضراء»    الحوامل وعقار الباراسيتامول «2»    إنجاز وطني يعيد الأمل لآلاف المرضى.. «التخصصي» يطلق أول منشأة لتصنيع العلاجات الجينية    وزير الداخلية يدشن وحدة الأورام المتنقلة ب«الخدمات الطبية»    وزارة الحرس الوطني⁩ تطلق البطاقة الرقمية لبرنامج "واجب" لأسر الشهداء والمصابين    ولي العهد يلتقي رئيسة جمهورية كوسوفا    أكثر من 54 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال شهر ربيع الآخر 1447ه    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود "انتماء وطني"    اليوسف يلتقي عددًا من المستفيدين ويستمع لمتطلباتهم    «الشورى» يطالب بمعالجة تحديات إدارة وتنمية الأصول العقارية للقُصّر    التواصل الحضاري يسلط الضوء على واقع ذوي التوحّد    المعافا يقدّم التعازي لأسرتي العر والبوري في القمري    53% من صادرات المنتجات البحرية لمصر وعمان    2600 نحال يقودون تربية النحل بمدن عسير    "موهبة" تشارك في مؤتمر "الطفولة تزدهر 2030"    "عفت" تشارك في مهرجان البحر الأحمر بأفلام قصيرة    أمير عسير يدشّن ملتقى التميّز المؤسسي في التعليم الجامعي    التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يستقبل وفدًا من جامعة الدفاع الوطني    القيادة تهنئ حاكم سانت فنسنت وجزر الغرينادين    «إسرائيل» تلوّح بالتصعيد بعد مهلة ترمب لتسليم جثث الأسرى    اكتشاف يفسر لغز المطر الشمسي    "تجمع القصيم" يستعرض برامجه النوعية في ملتقى الصحة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرعى حفل افتتاح بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ ومئوية الدفاع المدني    الخليج يكسب التعاون ويتأهل لربع نهائي كأس الملك    الأميرة نجود بنت هذلول تتابع تطوير أعمال تنظيم وتمكين الباعة الجائلين بالشرقية    نائب أمير مكة يتسلم تقريرًا عن استحداث تخصصات تطبيقية بجامعة جدة    "التخصصي" يوقّع أربع اتفاقيات لتعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية التخصصية    السعودية: مواقفنا راسخة وثابتة تجاه فلسطين وشعبها    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    إنطلاق الملتقى العلمي الخامس تحت عنوان "تهامة عسير في التاريخ والآثار "بمحايل عسير    تركي يدفع 240 دولاراً لإعالة قطتي طليقته    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    رصد سديم "الجبار" في سماء رفحاء بمنظر فلكي بديع    8 حصص للفنون المسرحية    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي بن سعود الكبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البرهان
نشر في الشرق يوم 24 - 10 - 2012

البرهان Proof فيلم أمريكي تم إنتاجه عام 2005 لاثنين من أهم ممثلي السينما الأمريكية، أولهما أنتوني هوبكنز (المولود عام 1937) وجونيث بالترو (المولودة عام 1972) وهو الفيلم المأخوذ عن مسرحية للكاتب الأمريكي ديفيد أوبرن بالعنوان نفسه. قصة الفيلم/ المسرحية عن الدكتور روبرت الذي كان من نوابغ علم الرياضيات في عشرينياته ثم انقلب لشخصية ذهانية في سنواته التالية لفشله منذ منتصف العمر في الاستمرار في النبوغ. ابنته التي تركت دراستها في الرياضيات للتفرغ لرعايته تحولت شيئا فشيئا لشخصية ذهانية أيضا، وسوف نعرف فيما بعد السبب، ففي اللحظة التي تتمكن فيها من التوصل لبرهان رياضي نابغ تكون ذهانية والدها قد وصلت لذروتها فتضطر لإخفاء كراسة برهانها حتى لا تتسبب لأبيها في الألم.
بعد موته، يقتحم أحد تلامذته عالمها، يطلب منها أن يقرأ هذيانه فتسمح له. هارولد، ذلك التلميذ الخائب اليائس الذي يفسر يأسه بوصوله لسن السادسة والعشرين دون أن يكمل رسالته للدكتوراة، يطلع على برهانها في اللحظة التي تبدو كفتاة على وشك استعادة حياتها ولياقتها لكنه يخيّب أملها ويتشكك في انتساب البرهان لها، فانتساب البرهان لها يعكس صورة فشله، مما يدفعها للجنون، بالمعنى الدقيق للكلمة وليس بالمعنى المجازي، فقد أخسرها في لحظة الأمل الأخيرة برهان حبه لها.
القصة كما تظهر في هذا التبسيط المخل تبدو كما لو أنها تدور حول الذهانية وعلاقتها بالفشل، وهذا صحيح من أحد جوانبها، ولكنها أيضا تتعلق بأمر آخر، إنها تتعلق بفكرة الشباب. فهذا الرجل كان شابا في يوم من الأيام ولكنه نتيجة لتمسكه بشبابه يخسر عقله، وهذه شابة بسبب تضحيتها المفرطة ورغبتها في إسعاد «الأب» بلا حد معقول تخسر شبابها، وهذا شاب بسبب جهله بمعنى شبابه يخسر شبابه وحبيبته أو يكاد.
الشباب يحتاج لبرهان يدلل على وجوده، وما من مجتمع يسعى لأن يحافظ على شبابه وعلى برهان شبابه إلا بتخلي الكبار عن تمسكهم الأبدي بالشباب والسير عكس اتجاه الزمن، وإلا بالتفكير في ضرورة تمسك الشباب ببرهان شبابهم دون أن يتسببوا لهؤلاء الكبار في أي ألم، وإلا بفهم برهان الشباب من الأساس واقتناصه في اللحظة المواتية دون تردد.
تظل عبرة التاريخ أن الناس ما زالوا يولدون. صحيح أنهم يموتون أيضا، ولكن يبدو أنهم يولدون بأكثر مما يموتون به. وكل جيل يسلم للأجيال التالية ثمرة تجربته في لحظة يبدو فيها كل من الأب والابن كأنما يتصارعان على الوجود، وكأنهما سوف يعيشان أبدا، وكأنما أيضا كل جيل يرغب في فرض رؤيته وتجربته لا على الآخر فحسب وإنما على العالم كله، على التاريخ. من يتابع الصراع بين الاثنين يتصور أن كلا منهما يرغب في أن يصنع العالم على مقاسه، وعلى هواه. الأب مستندا على خبرته يرغب في أن يجنب الابن المطبات نفسها، رغم أنها لن تكون نفسها أبدا، فالإنسان لا ينزل النهر مرتين كما يقول هرقليطس، ولا النهر يكون نفسه في كل مرة. ما يحاوله الأب من تجنيب الابن المرور بالألم نفسه لا يفيد، لأن الألم نفسه هو برهان حياة الابن وبرهان تجربته. تجربة الحب الأولى من يرغب في تفويتها حتى ولو بالغ العالم كله في التدليل على الألم الذي تخلفه.
الأب الذي ييأس في لحظة النهاية في تجنيب ابنه أي شيء، يعترف أنه لم يكن مصيبا في كل شيء، وأن ابنه لم يكن مخطئا طوال الوقت، وأنه من الصحيح أن الأب كان ماضيا في طريقه والابن ماضيا في طريقه لكن من الصحيح أيضا أنهما التقيا في لحظة ما، في محطة ما. ورغم عبرة كل التواريخ هذه فما زال الآباء متمسكين بأصوليتهم يرغبون في فرضها على العالم، كما لو كانت أصوليتهم هي البرهان الوحيد على أنهم عاشوا على هذه الأرض، ورغم عبرة كل التواريخ فما زال الأبناء يقاومون هذه الأصوليات كما لو أن المقاومة هي البرهان الوحيد على أنهم أكثر شبابا وطموحا وبراءة. ورغم عبرة كل التواريخ لم يفهم الآباء والأبناء أن الصراع حول الأصوليات لا معنى له بمعنى من المعاني، لأن كل جيل يأتي ليفكك بعض هذه الأصوليات، حتى ولو بدا متمسكا بغيرها، لأن الحقيقية تقول إن العالم يمضي نحو الأمام لا إلى الخلف.
ما نشاهده في الفيلم مجتمع شاب يدلل على برهان شبابه، فيما نتطلع إليه من عدسة مجتمع نقاتل فيه الآباء ويقاتلوننا فنفشل في إزاحتهم ويفشلون في وقف نمونا، ثم نفشل أخيرا في أن نكون أو يكونوا في المكان الذي نستحقه ويستحقونه دون إراقة دماء ودون ألم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.