عبدالله علي المسيان التقاعد، أو التوقف عن العمل، هو سنة في الحياة، ومآل حتمي لجميع الموظفين، بعد عمر طويل وحافل من العطاء والكفاح، ابتداءً من الوزير وانتهاءً بالعامل البسيط. فمهما كان اسم الموظف، ومهما علا شأنه، فلا بد أن يأتي اليوم الذي يترك فيه منصبه، ويتيح الفرصة للآخرين من الأجيال الشابة، من أجل أن تقوم بواجبها الديني والوطني.والمتقاعدون فئة، خدمت المجتمع، وأمضت عدة عقود في العمل والكفاح المهني، وقضت جل عمرها في خدمة الوطن في مختلف المجالات والأصعدة، وساهمت مساهمة فعالة وبارزة في تنمية أوطانها، وقدمت الغالي والنفيس من أجل رفعة بلدانها، ثم أحيلت للتقاعد، بعد الوصول إلى السن المحدد نظاماً، كأمر طبيعي واعتيادي، حتى تنال الراحة بعد كل هذا الجهاد الطويل والكبير، ومن حقهم علينا أن يستكملوا بقية حياتهم في عيش كريم، وحياة سعيدة، بما يوازي ما قدموه لنا وهُم في أوج عطائهم العمري والصحي والفكري. والمتأمل في حال المتقاعد السعودي، يلحظ مدى التهميش والإقصاء والإبعاد الذي يلقاه ويواجهه من كافة طبقات المجتمع ومؤسساته الحكومية والأهلية، والجمعيات الوطنية، والنظرة السلبية تجاهه، واعتباره شخصاً «منتهي الصلاحية»! وكذلك حرمانه من أبسط الحقوق والواجبات التي يفترض أن ينالها، تكريماً وتقديراً لخدماته الجليلة والعظيمة التي قدمها. ومن أبرز المشكلات والعقبات التي تواجه المتقاعد السعودي، على سبيل المثال لا الحصر: تدني الرواتب الشهرية وانخفاضها بشكل واضح بعد التقاعد، بنسبة كبيرة مما يسبب «أزمة مالية» خانقة لمعظم المتقاعدين. كذلك توقف العلاوة السنوية، وهذا الأمر له انعكاس سلبي كبير، خصوصاً في ظل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار إلى أرقام قياسية. كذلك عدم القدرة على الحصول على «قرض بنكي» أيضاً عدم القدرة على شراء سيارة بنظام الإيجار المنتهي بالتمليك، أو بنظام الأقساط. بينما إذا نظرنا إلى حال المتقاعد في الدول المتقدمة، وخصوصاً في أمريكا واليابان، نرى الفرق الكبير، والبون الشاسع بين المتقاعدين السعوديين ونظرائهم في هاتين الدولتين، خاصةً من حيث النظرة المجتمعية، والاستراتيجيات المطبقة، والدخل المالي الجيد.ففي اليابان، على سبيل المثال، تتم الاستفادة من «الخبرات التراكمية» التي يملكها المتقاعد في تنمية المجتمع، ونقل خبرته وتجربته العريضة إلى الأجيال القادمة، وذلك من خلال إعادة تعيينهم كمستشارين في مواقع ذات صلة بوظائفهم السابقة في المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني والجمعيات الأهلية بما يتناسب مع المرحلة العمرية التي يعيشونها، مع شمولهم بمظلة الأمان الاجتماعي والاقتصادي. ومن أبرز ثمار الاستراتيجية اليابانية، أن الشعب الياباني أصبح أكثر شعوب العالم حيويةً ونشاطاً، ولم تعد «الشيخوخة» مشكلةً ولا مأساة، بل هي بداية لمرحلة جديدة. وحتى على الصعيد المالي، يصل متوسط رواتب المتقاعدين اليابانيين إلى مبلغ (2250 يورو).وإذا انتقلنا إلى الاستراتيجية الأمريكية، نجد أيضاً نفس الاهتمام بفئة المتقاعدين، ونجد كذلك التشابه الكبير مع الاستراتيجية اليابانية من جهة الاستفادة من «المخزون المعلوماتي» الذي يملكه بعض المتقاعدين ذوي الكفاءة والخبرة العريضة، واستغلالها في جانب «الاستشارة».ومن مظاهر الاهتمام الأمريكي بالمتقاعدين، قيام الشركة العملاقة في البرمجيات «مايكروسوفت» بتصميم حواسيب ذات لوحات مفاتيح تناسب كبار السن، وتصلح لمعظم المتقاعدين، مزودة ب «ماوس» يتجاهل الحركات الناتجة والناشئة عن «ارتعاش اليد»، مما يمكنهم من تقديم خبراتهم الطويلة للأجيال الشابة بواسطة التقنيات الحديثة. ونحن إذ نستعرض تجارب الدول الأخرى في التعامل مع ملف المتقاعدين، نرغب في أن تستفيد الجمعية المعنية بشؤون المتقاعدين في المملكة «الجمعية الوطنية للمتقاعدين» من هذه التجارب، وتحاول تطبيق ما تستطيع تطبيقه، وتبحث عن حلول وبدائل لمشكلات المتقاعدين، التي ذكر جزءٌ منها في هذا المقال، بدلاً من اكتفائها بالتفرج تارةً، وبالوعود الوهمية تارةً أخرى!فالجمعية منذ إنشائها في عام 2006 وحتى الآن، لم تبادر إلى محاولة إصلاح أوضاع المتقاعدين السعوديين، الذين يصل عددهم تقريباً إلى 700 ألف متقاعد. وبعد النظر والبحث والتحري وبعد الاستماع إلى بعض المتقاعدين، تبيّن أن مطالب الأكثرية الساحقة منهم، تتمحور في سبع نقاط أساسية وهي: رفع الحد الأدنى للمعاشات الشهرية، إيجاد علاوة سنوية، التأمين الصحي، إعفاؤهم من رسوم الخدمات الحكومية، تخفيض قيمة المشتريات الأساسية، إيجاد أندية خاصة بهم، فتح المجال لهم في الاقتراض وشراء السيارات بنظام «الإيجار». والمطلوب الآن من الجمعية الوطنية للمتقاعدين، الاستجابة السريعة لمطالبهم، والتطبيق الفوري للنقاط السبع، حتى تتم معالجة هذا الملف الشائك، الذي استغرق الحديث عنه سنوات طويلة، دون الوصول إلى أي نتيجة حتى الآن!