«فوزان» حدثان ثقافيان لا يفصل بينهما سوى أيام قليلة: فوز الشابة المصرية كارمن سليمان بلقب (محبوبة العرب)، وفوز الروائي اللبناني ربيع جابر بجائزة بوكر للرواية العربية عن روايته (دروز بلغراد). تصل (محبوبة العرب) مطار القاهرة لتجد في انتظارها مئات من المستقبلين والكاميرات، وكلُّ ينادي باسمها لتلتفت إليه ليظفر بفرصة التقاط صورة لها بينما هي تتحدث إلى إحدى قنوات التلفزة. أما روائي العرب للعام 2012، فلا أحد يعلم – كما يبدو – تفاصيل استقباله في مطار بيروت، فربما لم يجد من يستقبله من ممثلي الصحافة والتلفزيون. وأنا لا أستغرب ذلك لو حدث لسببين: الأول، عزوف ربيع جابر نفسه عن الأضواء لدرجة أن المصورين واجهوا صعوبة في تصويره أثناء حفل استلامه الجائزة. والثاني، لا أعتقد أن الكاميرات أو الوسائل الإعلامية حريصة على رصد لحظات وصوله إلى وطنه بنفس درجة حرصها على ملاحقة كارمن سليمان على الرغم من أنها نجيمة في بداية الطريق إلى النجومية الكبيرة. إن سبب اهتمام «الميديا» بكارمن هو كونها منتجا (ميديويا) وجماهيريا، صنعتها الميديا، على مدى ثلاثة أشهر، بمساهمة من الجمهور، وستستمر في إتمام وتطوير صنعها وفي ملاحقتها أينما تذهب، لترصد حركاتها وسكناتها وتتلصص على تفاصيل حياتها. أما ربيع جابر فليس نجما. لا يعني هذا تقليلا من أهميته وخفضا لمكانته. أو لأقل إنه نجم ولكن ليس بالمستوى الجماهيري، أو ربما من الأنسب والأفضل أن أسميه بطلا – بطل ثقافة – تأسيسا على تمييز المؤرخ دانيَل بورستن بين البطل والنجم، الذي أورده جِم فاولز في كتابه((Starstruck,12: «البطل يميزه إنجازه؛ والنجم صورته أو علامته التجارية. البطل يصنع نفسه؛ أما النجم فتصنعه الميديا». أشعر بمقدار معقول من الارتياح لهذا التمييز بين كارمن كنجمة وربيع كبطل أقام بطولته الثقافية على رصيد من 17 رواية أنجزها في عقدين تقريبا كان خلالهما مثابرا، في عزلته وبعده عن الأضواء، على كتابة الرواية، ومخلصا لها بشكل منقطع النظير. أما كارمن فلا يمكن الاكتفاء بالقول إنها صنيعة الميديا، إذ إن فوزها على منافستها دنيا بطمة كان للجمهور المصري والعربي دور أساسي فيه، وسوف يستمر هذا الجمهور في أداء هذا الدور لتعزيز نجوميتها، وكما ستساهم في تضخيم اسمها صناعة الترفيه ممثلة بالشركة التي تعاقدت معها. بكلمات أخرى، إن النجومية تقوم على أساس من المعرفة، معرفة الجماهير بالمغني أو الممثل الذي سيغدو نجما. ولهذا يربط بعض مؤرخي السينما الأمريكية ظهور ما أصبح يعرف بنظام النجم ((star system ببداية إعلان المخرجين لأسماء الممثلين أو الممثلات. فبحسب ديفيد كوك، كما تقول جانيت ستيغر، أدى ترويج كارل لِملي للممثلة فلورنس لورنس إلى نشوء نظام النجم(1910)، ويؤكد هذا أيضا ما يقوله ريتشارد دي كوردوفا في مقالته (ظهور نظام النجم في أمريكا)، بينما يجادل المؤرخ بنجامين هامبتون أن ماري بِِكفورد هي أول ممثله يرسخ اسمها في أذهان رواد السينما. أما قبل 1910، فكانت أسماء المؤدين لا تُعلن، إما لأسباب اجتماعية، أو لاحتكار الممثلين والحيلولة دون ارتفاع أجورهم بسب التنافس المحتمل عليهم. أتوقع أن يُهْمَسَ بأن ربيع روائي معروف يمارس التأليف والنشر لسنوات عديدة، وهذه المدة الطويلة كفيلة بأن تجعل منه نجما، وأرسخ نجومية من كارمن صاحبة النجومية القائمة على فوزها بمنافسة استمرت ثلاثة أشهر فقط. هذا صحيح ولكن معرفة الناس به ناقصة، معرفة تبدأ من اسمه وهويته ولا تتجاوز منجزه الإبداعي، أما المعرفة التي تتأسس عليها النجومية فإنها أكثر اتساعا، وتتعدى عمل الفرد/النجم إلى حياته الشخصية، أو كما تقول كريستين غلدهل في حديثها عن نجوم السينما: «يصبح الممثلون نجوما عندما تساوي أو تتعدى أساليب حيواتهم وشخصياتهم في الأهمية قدرتهم على التمثيل.» بتعبير آخر، إن المعرفة المطلوبة تنفذ إلى التفاصيل الحميمية في حياة النجم، وتثير أنواعا من الرغبات، وتحرض على التماهي معه، ويؤثر خلالها عاطفيا على الجمهور؛ إنها مركب من معرفة وتواصل عاطفي قد يفضي حتى إلى ظهور النجم في أحلام الجمهور. إذا أمعنا النظر في مسابقة (أراب آيدول)، أو في (ستار أكاديمي) كنَموذج آخر، نرى الوعي بأهمية هذه المعرفة كأساس للتماهي ونشوء العلاقة العاطفية بين المشاهدين والمشاركين يتجلى في كشف كثير من المعلومات عن المشاركين و أسرهم، وفي حالة (ستار أكاديمي) يتاح للمشاهد التلصص على المشاركين حتى في غرف نومهم. ينبغي الإشارة إلى أن عوامل أخرى تساهم في حدوث التماهي مثل الانتماء لنفس الوطن، أو الإقليم، أو الجمال أو الوسامة. وقد ساهم التماهي مع كارمن في فوزها لتعود نجمة استقبلها المئات استقبالا يليق بربيع لو أنه حدث ببيروت!