حضور مجالس العزاء مواساة لذوي المتوفى ومساهمة لتفريغ مشاعرهم السلبية، وتأدية واجب العزاء يتمثل في معايشة الموقف لتخفيف حزن وألم ومصاب أهل الفقيد، وتذكيرهم بالصبر والاحتساب وعدم الاعتراض على قضاء الله وقدره والدعاء للفقيد بالرحمة والمغفرة. يرتاد مجالس العزاء قوافل من المعزين لمشاطرة ذوي الفقيد في عزائهم مرددين (أحسن الله عزاءكم، وعظم الله أجركم) تعبيرا لصدق مشاعر الحزن وألم الفراق وإبداء شعور الحسرة وحجم الفاجعة. في الآونة الأخيرة أخذت مجالس العزاء منحى آخر تجاوز مسألة أداء الواجب بعيدا عن خدمة المتوفى وذويه، وتحولت إلى مناسبات ومجالس عامرة للأكل والشرب وتناول الشاي والقهوة والبيع والشراء وتجاذب أطراف الحديث عما يدور في الساحة من أمور سياسية واجتماعية ورياضية وآخر أخبار سوق الأسهم بطريقة مزعجة لمشاعر ذوي الفقيد في الوقت الذي هم في أمس الحاجة إلى من يواسيهم ويخفف عنهم ألمهم وحزنهم على فقيدهم، تتعالى الأصوات والضحكات والتعليقات البعيدة كل البعد عن أجواء الحزن والألم التي يعيشها أهل المتوفى وذلك يعود لقسوة القلوب المعتلة بعدد من الأعراض على رأسها عدم التأثر والاكتراث بفاجعة الموت التي تهتز لها الأبدان وترتعد من هولها الفرائص. حضور مجالس العزاء فقط كمجاملة اجتماعية وترديد عبارات تفتقر لأبسط أحاسيس الحزن والمؤازرة كما أن الإطالة في الحضور عادة ما تنتهي إلى الانغماس في أمور دنيوية ومادية لا تجسد التأثر والاكتراث بحجم الفاجعة ولا تفرغ مشاعر أهل المتوفى السلبية ولا تراعي حرمة المتوفى بل هي غفلة اجتماعية تنعكس على مشاعر ذوي الفقيد وتزيد من مأساتهم وألمهم. رغم استياء وحزن ذوي الفقيد على فقيدهم إلا ان تكبدهم أعباء مالية جراء اضطرارهم توفير الأكل والشرب والشاي والقهوة لهذه القوافل من المعزيين زادتهم بؤسا، جرت العادة على التفاخر في وضع ما لذا وطاب من موائد لم ينزل الله بها من سلطان حتى تلاشت ملامح العزاء في مجالس العزاء لتبدأ طقوس دخيلة أشبه بمراسم الفرح، يسعى أصحاب العزاء من خلالها إلى إظهار منظر المجلس لائقا وضيافة خمس نجوم للتباهي والتفاخر والوجاهة الاجتماعية وتوزيع الهدايا وكتب الأدعية والأذكار والمصاحف على المعزين بهدف الدعاء للفقيد واحتساب الأجر ناهيك عن استقبال الأقارب القادمين من خارج المدينة وتجهيز أماكن مخصصة لسكنهم!! هذه الطقوس الدخيلة أفرغت مجالس العزاء من مضمونها ومن ثم يستدعي منا كمجتمع مراجعة ومحاسبة النفس واستشعار المأساة والظروف التي يمر بها ذوو الفقيد وذلك بالبعد عن كل الملامح والصور والسلوكيات التي لا تتناسب مع مجالس العزاء بما فيها طريقة التعزية التي تحتم مصافحة جميع الحضور صغيرا وكبيرا، قريبا وبعيدا متسببة في إرباك وإزعاج المنهمكين بتلاوة القرآن الكريم والدعاء للفقيد والاكتفاء بمصافحة ذوي الفقيد في صدر المجلس. هذه دعوة للخلاص من هذه الثقافة الدخيلة وهذا الواقع المؤلم الذي أفرغ مجالس العزاء من مضمونها لتعود بصبغتها السابقة وقيمها العالية المتمثلة في المواساة والمؤازرة والتخفيف من هول الفاجعة والمصاب على ذوي الفقيد والدعاء له بالمغفرة والرحمة.