وفاة شخص تعرفه أو تسمع عنه تحولت في حياتنا اللاهثة إلى خبر نعي في وسيلة إعلامية أو فنجان قهوة في مجلس عزاء ثم ينصرف الناس بعد ذلك إلى أحاديثهم وشؤونهم باستثناء أهله وذويه وهذه هي سنة الله في خلقه منذ أن خلقهم، غير أن خبر الوفاة العابر يستثير في النفس كل الذكريات والمواقف التي كانت قابعة في الزوايا المظلمة وتتداعى على الإنسان شلالا من الذكريات من مواقف مشتركة أو معارف مختزنة أو انطباعات وأفكار تنثال في مقاطع قصيرة أسرع من اليوتيوب وأكثر وجدانية من أحاديث مجالس العزاء التي تختصر في عبارة «المرحوم كان طيب». كل يوم تحمل الأخبار نبأ عن ورقة نضرة سقطت من شجرة حياتنا حتى نصل إلى قول الشاعر لبيد: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب وأخبار النعي ليست مجرد أخبار وإنما هي جزء من تاريخنا وعمرنا وذكرياتنا توقف عن النمو فحين تألف صوت محمد كامل خجا مندفعا بحماس يعقب على موضوع نشر في المجلة العربية أو قصيدة كتبها ثم تفاجأ بخبر وفاته بعد أيام تحس أن هناك شيئا مفقودا، وحين تسمع بنعي حسين عاتق الغريبي تتدافع في ذهنك قراءات لكتابات وأعمال حسين وحديثه المتدفق عن المواضع والأماكن في مكةالمكرمة والطائف وتمتد بك الذاكرة لتستحضر كل أجواء حسين من الهدا والغربة والنمور والمجرور والورد والتعليم وزيد بن حماد وعبدالله ثابت وأحمد بن محمد، تأخذك الذاكرة وتحلق بك في أجواء صرفتك عنها المشاغل وتعجب كم تختزن هذه الجمجمة التي تحملها بين كتفيك من ذكريات وأحداث وتندهش كيف أن هذين الخبرين أضاءا كثيرا من الزوايا المعتمة في ذاكرتك أو لم تكن تظن أنها موجودة أصلا، ولهذا سمى شهاب الدين الخفاجي كتابه في التراجم: خبايا الزوايا فيما للرجال من البقايا.