إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. منح رئيس «الأركان» الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. رئيس هيئة الأركان العامة يُقلِّد رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    الرياض تعيد اختراع الإدارة المحلية: من البلديات التقليدية إلى المدينة الذكية    تحت رعاية ولي العهد.. تدشين النسخة الافتتاحية من منتدى «TOURISE»    استثمار الإنسان وتنمية قدراته.. سماي: مليون مواطن ممكنون في الذكاء الاصطناعي    «ملتقى 2025» يختتم أعماله في الرياض.. السعودية رائد عالمي في التحول الرقمي    ويتكوف وكوشنر اليوم في إسرائيل.. تحرك أمريكي لبحث أزمة مقاتلي حماس في رفح    شجار زوجين يؤخر إقلاع طائرة    إسلام آباد تبدي استعدادها لاستئناف الحوار مع كابل    بعد ختام ثامن جولات «يلو».. العلا يواصل الصدارة.. والوحدة يحقق انتصاره الأول    استعداداً لوديتي ساحل العاج والجزائر قبل خوض كأس العرب.. لاعبو الأخضر ينتظمون في معسكر جدة    عبر 11 لعبة عالمية.. SEF أرينا تحتضن البطولة الكبرى للدوري السعودي للرياضات الإلكترونية    لص يقطع أصبع مسنة لسرقة خاتمها    هيئة «الشورى» تحيل 16 موضوعاً لجلسات المجلس    وزارة الداخلية في مؤتمر ومعرض الحج 2025.. جهود ومبادرات أمنية وإنسانية لخدمة ضيوف الرحمن    «إثراء» يستعرض المشهد الإبداعي في دبي    مغنية افتراضية توقع عقداً ب 3 ملايين دولار    العلاقة الطيبة بين الزوجين.. استقرار للأسرة والحياة    افتتح نيابة عن خادم الحرمين مؤتمر ومعرض الحج.. نائب أمير مكة: السعودية ماضية في تطوير خدمات ضيوف الرحمن    مطوفي حجاج الدول العربية شريكاً إستراتيجياً لمؤتمر ومعرض الحج 2025    النوم بعد الساعة 11 مساء يرفع خطر النوبات    المقارنة الاجتماعية.. سارقة «الفرح»    «الغذاء والدواء»: إحباط دخول 239 طناً من الأغذية الفاسدة    القبض على مروجين في جازان    مستشفى الملك فهد بالمدينة صديق للتوحد    «الشؤون الإسلامية» بالمدينة تحقق 37 ألف ساعة تطوعية    غزة بين هدنة هشة وأزمة خانقة.. القيود الإسرائيلية تفاقم المعاناة الإنسانية    هيبة الصقور    «جادة السواقي».. عبق الماضي وجمال الطبيعة    فهد بن سلطان: هيئة كبار العلماء لها جهود علمية ودعوية في بيان وسطية الإسلام    العُيون يتصدر دوري أندية الأحساء    الاتفاق بطلاً للمصارعة    في الشباك    أمير نجران يلتقي مدير فرع «عقارات الدولة»    انخفاض الطلب على وقود الطائرات في ظل تقييم فائض النفط    تناولوا الزنجبيل بحذر!    تعزيز تكامل نموذج الرعاية الصحية الحديث    الأهلي يتوج بالسوبر المصري للمرة ال 16 في تاريخه    فيفا يُعلن إيقاف قيد نادي الشباب    15 شركة صحية صغيرة ومتوسطة تدخل السوق الموازي    انطلاق مناورات "الموج الأحمر 8" في الأسطول الغربي    بغداد: بدء التصويت المبكر في الانتخابات التشريعية    على وجه الغروب وجوك الهادي تأمل يا وسيع العرف واذكر الأعوام    معجم الكائنات الخرافية    حرف يدوية    82 مدرسة تتميز في جازان    هدنة غزة بوادر انفراج تصطدم بمخاوف انتكاس    الشرع في البيت الأبيض: أولوية سوريا رفع قانون قيصر    وزير الحج: موسم الحج الماضي كان الأفضل خلال 50 عاما    أمير تبوك يشيد بحصول إمارة المنطقة على المركز الأول على مستوى إمارات المناطق في المملكة في قياس التحول الرقمي    أكثر من 11 ألف أسرة محتضنة في المملكة    أمير تبوك يستقبل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ يوسف بن سعيد    انطلاق أعمال مؤتمر ومعرض الحج والعمرة 2025 في جدة بمشاركة 150 دولة.. مساء اليوم    83 فيلما منتجا بالمملكة والقصيرة تتفوق    اختتام فعاليات ملتقى الترجمة الدولي 2025    تحت رعاية الملك ونيابةً عن ولي العهد.. أمير الرياض يحضر دورة ألعاب التضامن الإسلامي    هنأت رئيس أذربيجان بذكرى يومي «النصر» و«العلم».. القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة صباح جابر    مسؤولون وأعيان يواسون الدرويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. المسند: الربع الخالي «كنز مدفون» بين أكبر مسطح رملي متصل في العالم
فريق «كدن» بقي مذهولاً من بحيرات «أم الحيش» وحجم موارد النفط والغاز
نشر في الرياض يوم 02 - 08 - 2013

الربعِ الخالِي اسم يثير الخوف، والوحشة، وهو قرين التيه، والعطش، والموت، فلا يكاد يُذكر إلاّ وتحضر معه قصص المغامرة، ومع ذلك تبقى تلك البقعة الجغرافية جاذبة فاتنة ساحرة، ومغرية لكل محب وعاشق للاكتشاف.
وقد زار وفد من المستكشفين الربع الخالي قبل عدة أشهر برئاسة الزميل الدكتور عبدالله المسند استاذ الجغرافيا بجامعة القصيم المشرف على قناة كون، واختار اسماً للفريق "كَدَن"، وهو اسم لعروق رملية في الشمال الشرقي من الرُّبْعِ الْخَالِي.
"الرياض" أجرت حواراً مع د. المسند حول رحلته إلى مجاهل الربع الخالي.
سبب التسمية
* في البداية لماذا سُمي الربع الخالي بهذا الاسم وهل هو قديم أم حديث؟
- الرُّبْعِ الْخَالِي سُمي بالربع؛ لأنه يشكل ربع الجزيرة العربية تقريباً، وسُمي بالخالي لخلوه من الاستيطان البشري الدائم، وقد يكون حتى المؤقت إلاّ من عدد لا يكاد يُذكر من البدو الرحل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى خلوه أو فقره من الحياة النباتية، والحيوانية على حد سواء، ولقد سمى البحار أحمد بن ماجد عام 895ه الربع الخالي في كتابه "الفوائد في أصول علم البحر والقواعد"، بالربع الخلي أ.ه. قلت: وهذه إشارة قد نقول معها إن التسمية لم تكن غربية في
كثبانه الرملية تكونت قبل بني آدم وتصل إلى 200م ارتفاعاً ومساحته تماثل فرنسا
الأصل، بل قد تكون عربية والله وحده أعلم.. ومنهم من سمى الرُّبْعِ الْخَالِي بالأحقاف، وأظن أن مصطلح الأحقاف لا يصح أن يشمل كل الرُّبْعِ الْخَالِي، بل يطلق على جهته الجنوبية فقط، وهي الصحاري التي بين السعودية وعمان واليمن، وهي موطن قوم عاد، وموقع مدينة إرم المدفونة تحت الرمال والله أعلم، وأرض الأحقاف حالياً خليط بين الرمال المتصلة، والمنفصلة، والهضاب المنبسطة نسبياً، وإذا صح أن رمال الرُّبْعِ الْخَالِي تزحف جهة الجنوب وفقاً للرياح السائدة؛ فإن الكثبان الرملية قد دفنت مدينة إرم منذ قرون عديدة، ومنهم من يُسمي الرُّبْعِ الْخَالِي كله أو جزءاً منه: برملة يام، ورملة يبرين أو جبرين، والدهماء، ومفازة صيهد، ولكن الاسم السائد والمشتهر لدى مراكز الأبحاث العربية والأجنبية الرُّبْعِ الْخَالِي، وأفضل وقت لزيارته في شهري ديسمبر ويناير.
د. عبدالله المسند
بحار الرمال
* صف لنا بحار رمال الربع الخالي العظيمة كيف كانت؟
- في البحار والمحيطات قد تسمع أصوات الأمواج والطيور والحيتان، ولكن في الرُّبْعِ الْخَالِي فيه هدوء عجيب، وسكون مخيف، وجفاف مميت. في الرُّبْعِ الْخَالِي لا تسمع تغريد الطيور، ولا ثغاء الأغنام، ولا رغاء الإبل، ولا أزيز السيارات، عندها فقط تستشعر حالة الأصم مع محيطه!. في الرُّبْعِ الْخَالِي أنت لا ترى إلاّ رمالاً تحتضن رمالاً، رمال تملأ الجهات الجغرافية الأربع، وتسد الأفق سداً، فلا معالم جغرافية غير الرمال، ولا حتى مظاهر جيومورفلوجية عدا الكثبان الرملية العظيمة والجميلة تُسبّح لخالقها، وتسجد لعامرها.
وفي الرُّبْعِ الْخَالِي ينتابك شعور غريب يمتزج بين العظمة والخوف عند أعتاب كثبانه الرملية العملاقة والمعقدة، والتي لا تملك عند الوقوف عندها إلاّ أن ترفع رأسك، وتبلع ريقك، ويشخص لها بصرك، وتتذكر قوة الخالق، المالك، المدبر سبحانه عز وجل.
في الرُّبْعِ الْخَالِي تتجلى الأجواء النقية، والخلوة البيئية، والمناظر السحرية، النهارية منها والليلية؛ هنا فقط يزول ما بك من عارض، وتكون الطبيعة لك الطبيب والواعظ. الرُّبْعِ الْخَالِي كتاب أبيض يتكون من 1000 صفحة، لم يكتب الإنسان فيه منذ ظهوره على وجه البسيطة إلا صفحة واحدة، و999 صفحة هي بكر ناصعة البياض، تنتظر المكتشفين والمغامرين والمستطلعين والباحثين.
غطته مياه الخليج قبل ملايين السنين ولو نقلت رماله لدفنته وأخفته
أكبر متحف رملي
* ما الذي يميز الربع الخالي من غيره من الصحاري؟
- الرُّبْعِ الْخَالِي أكبر متحف رملي طبيعي، وهو في الوقت نفسه أكبر مسطح رملي متصل في العالم، فلا يتخلله جبال، ولا تلال، ولا هضاب، ولا وهاد ولا نجاد، ولا أودية، ولا حرات، أو ممرات، بل رمال كالأمواج يصطفق بعضها ببعض، في مشهد صحراوي مهيب يتقزم عنده الإنسان، مشدوهاً مبهوراً مما يراه ويحيط به.
الرُّبْعِ الْخَالِي لم يكن أخطر وأوحش صحراء في جزيرة العرب فحسب، بل قد يكون في العالم أجمع، ففي الوقت الذي نجد صحاري العالم تقطعها جبال أو تلال أو أودية أو قرى أو واحات مائية عذبة؛ نجد الرُّبْعِ الْخَالِي رمالاً متصلة يبلغ طولها نحو 1320كم، وعرضها نحو 600 كم، والواقع هناك لا يمكن وصفه، ورسمه بحروف هجائية، ولا صور فوتوغرافية، بل يحتاج إلى زيارة ميدانية، ورحلة استطلاعية.
صفاء الأجواء ونقاء الكثبان وتباين الألوان تجعل الربع الخالي أجمل حديقة رملية في العالم
يعادل مساحة فرنسا
* وماذا عن مساحة الربع الخالي وحدوده الطبيعية؟
- الرُّبْعِ الْخَالِي حوض جغرافي منخفض وواسع، ممتلئ بمليارات الأطنان من التُرب الرملية المنقولة المشكِّلة للكثبان، وتبلغ مساحته في الدول الأربع (السعودية، الإمارات، عمان، واليمن) نحو 590 ألف كلم2 - وفقاً لحساباتي الشخصية عبر برنامج قوقل إيرث - أي: تعادل مساحة فرنسا وتزيد قليلاً، ويحده من الشمال هضبة نجد، ومن الغرب هضبتي نجران وعسير، ومن الجنوب هضاب اليمن
عدم المساس بالمياه الجوفية العذبة في جهته الغربية وتركها يكون خزناً إستراتيجياً للبلاد
وعمان، ومن الشرق مرتفعات عمان وسهل الإمارات، ونصيب السعودية من مساحة الرُّبْعِ الْخَالِي أكثر من 80%، ويبلغ أقصى طول له فقط في الأراضي السعودية نحو 1285 كم، ومع جزء الإمارات نحو 1320 كم، ويبلغ أقصى عرض له نحو 600 كم، وأزعم أنه لو قُدر أن الإنسان يقوى على نقل رمال الربع الخالي إلى مياه الخليج العربي لدفنته وأخفته!.
أعذب مياه
* هل توجد مياه جوفية في الربع الخالي؟
- توجد العشرات من الآبار القديمة، والحديثة (القلمات) في طول الرُّبْعِ الْخَالِي وعرضه، متباعدة ومتناثرة، يعرفها البدو، وموقّعة على خرائط هيئة المساحة الجيولوجية، وبشكل عام تتميز المياه الجوفية في شرق الربع الخالي بقربها من سطح الأرض وملوحتها الشديدة، وبعضها يصحبها رائحة نتنة بسبب توفر عنصر الكبريت، أما الجزء الغربي من الرُّبْعِ الْخَالِي فمياهه الجوفية أعمق وأعذب بوجه عام..
ولأن الأنشطة البشرية، والمشاريع الزراعية، والاستيطان البشري بعيد جداً عن تكوينات المياه الجوفية في الرُّبْعِ الْخَالِي، فقد تسبب ذلك في استقرار خزاناته الجوفية عند وضعها الطبيعي، فلم تُمس بسحب بشري، ولا استنزاف زراعي، أو استهلاك صناعي، لذا فإن المياه الجوفية في الرُّبْعِ الْخَالِي قريبة جداً من سطح الأرض، وشاهدنا الشركات العاملة هناك تستخرج الماء من عمق متر، أو مترين وهي عبارة عن مياه جوفية سطحية (قريبة من سطح الأرض) مالحة جداً (هماج)، بل قيل إنها أشد ملوحة من مياه البحر خاصة التي تقع في شرق الرُّبْعِ الْخَالِي. والتكوينات الجوفية العميقة في الرُّبْعِ الْخَالِي ممتلئة بالمياه، لذا نرى بعض الآبار هناك تتدفق منها المياه تلقائياً من دون تدخل بشري، وبعضها ذات مياه حارة وكبريتية.
فريق «كدن» يتناول وجبة الإفطار وسط رمال الربع الخالي
وخلال المرحلة الأخيرة من رحلتنا الاستكشافية للربع الخالي عرَّجنا على بئر مهولة وهي بئر ارتوازية حُفرت في طبقات الأرض الجوفية؛ فخرج الماء منها تلقائياً كنبع فوار، يتميز برائحته النتنة؛ بسبب توفر عنصر الكبريت فيه، وهي مياه حارة قد تصل درجة حرارتها نحو 40 درجة مئوية.
"أم الحيش"
* حدثنا عن أجمل ما رأى الوفد خلال رحلة الربع الخالي؟
- لعلي لا أبالغ عندما أقول إن أجمل وأعذب المناظر التي مررنا بها خلال زيارتنا الربع الخالي هي منطقة أم الحيش، والواقعة شمال السحمة في رملة القعد، وهي عبارة عن سبخة ملحية واسعة، تزينها كثبان رملية نجمية عالية متفردة وغير متصلة، وعند أعتابها ينبع الماء الجوفي المالح ليكوّن بحيرات صغيرة، صافية المياه، شفافة المظهر، تطوق الكثبان الرملية الذهبية الجافة، في صورة ومشهد بيئي صحراوي تتسمر له العيون إعجاباً وانبهاراً، ويسر القلوب ليلاً ونهاراً فسبحان من جمع هذا مع هذا، وحول مستنقعات أو قل بحيرات أم الحيش رأينا بضع نخلات، ورأينا القصباء قد غطى أجزاء من البحيرة وكذا شجر الطرفاء، وبحيرات أم الحيش هي بحق جوهرة وعروس الرُّبْعِ الْخَالِي.
موارد طبيعية
* هل يخلو الربع الخالي أيضاً من الموارد الطبيعية؟
- على الرغم من كون الرُّبْعِ الْخَالِي صحراء شاسعة قاحلة جافة وطاردة، إلاّ أن الله تعالى قد أودع في جانب منها النفط والغاز، فيومياً تنتج معامل شركة أرامكو من حقل الشيبة براميل نفط لو صففتها جنباً إلى جنب لرسمت خطاً مستقيماً من المدينة إلى القصيم من دون انقطاع (هذا يومي) 750 ألف برميل يومياً ولله الحمد، ومتوقع أن يصل إلى مليون برميل يومياً عام 2015م، وفي الربع الخالي من الرمال الزجاجية، وربما المياه الجوفية الغزيرة، التي قد تعزز من موارد المياه بالمملكة.
الاستيطان البشري
* ماذا عن الاستيطان البشري في الربع الخالي؟
- أحسب أن الرُّبْعِ الْخَالِي خال من الاستيطان البشري منذ الأزل، إذ إن الحضارات القديمة من العرب البائدة في الفاو مثلاً أو إِرَم، لم تكن في الواقع في قلب صحراء الرُّبْعِ الْخَالِي، بل تقع في أطرافه وتخومه فحسب، فقرية الفاو تقع تحت أعتاب جبال طويق العظيمة (جبل العارض) من طرفه الجنوبي، وهو يمثل الحد الشمالي الغربي لرمال الرُّبْعِ الْخَالِي. بينما مدينة إِرَم (قوم عاد) فتقع في الأحقاف على الحافة الجنوبية لرمال الرُّبْعِ الْخَالِي، وشمال هضبة حضرموت، وهي رمال متقطعة متاخمة لهضبة صحراوية فيها من الأودية الخصبة ما يغري بني البشر في الاستيطان والتوطن، حتى يبرين الواقعة على أطراف الرُّبْعِ الْخَالِي الشمالية - وهي بوابة الرُّبْعِ الْخَالِي الشمالية - تشير الآثار والمدافن بيبرين إلى أن هناك استيطاناً قديماً جداً للعرب البائدة استوطنت تلك البقعة من الجزيرة العربية، ونلحظ هنا أن مواقع الاستيطان البشري القديم للعرب البائدة لم تكن في الرُّبْعِ الْخَالِي نفسه، بل على أطرافه، وهذا ينسحب بالضرورة على مدينة نجران التاريخية التي تقع على الحد الجنوبي الغربي للربع الخالي، وهذا يعكس بجلاء أن بحار الرمال هناك سابقة وأقدم من بني البشر بمئات الآلاف من السنين.. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الاستيطان المبكر يحتاج إلى الماء، والرُّبْعِ الْخَالِي معظم مياهه السطحية غاية في الملوحة خاصة الشرقية منه، وأمطاره شحيحة، فقد تمر السنة وأكثر لا تهطل به قطرة، ولا تنبت به حبة، ولا تزهر به وردة، وإن كانت هناك العشرات من الأودية تحيط بالرُّبْعِ الْخَالِي، فلا يوجد في داخله واد يذكر، كل هذا يؤيد ما ذكرت، أنه لا يوجد استيطان بشري قديم في الرُّبْعِ الْخَالِي نفسه بل في أطرافه، حتى البدو الرحل فإن وجودهم محصور في نطاق ضيق جداً حول المياه العذبة القليلة والمتناثرة هنا وهناك والله أعلم..
ولم أطّلع على أي اكتشاف أثري يُثبت وجود استيطان بشري حضري وليس بدويا في الرُّبْعِ الْخَالِي، وهذا يؤكد - من وجهة نظري الشخصية - أن هذا البحر المتلاطم من الكثبان قد سبق البشر في وجوده فوق قاع وحوض الرُّبْعِ الْخَالِي، إذ إن الظروف المناخية خلال ال 6000 سنة الماضية تقريباً لا تُشجع ولا تُغري البشر في التوغل في مهلكة ومضيعة من الأرض، وكأننا فوق سطح كوكب عقيم ولله في خلقه شؤون.
أم الحيش جوهرة الربع الخالي بلا منازع
والبحيرات التي تم اكتشافها، والأودية والأنهار المطمورة التي تم تصويرها، والمستحثات التي تم استخراجها في بعض المناطق من الرُّبْعِ الْخَالِي، تمثل وتعكس حقبة زمنية موغلة في القدم، سابقة التواجد البشري بقرون عديدة، ومدد طويلة، في حقبة أشار لها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (لا تقوم الساعة.. حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً) والأظهر أن ذلك يوم أن كانت الرياح الموسمية تدفع الخير والرطوبة إلى أجواء الجزيرة العربية متوغلة حتى المناطق الوسطى منها.
تضاريس الرُّبْعِ الْخَالِي
* صف لنا جغرافية الربع الخالي من ناحية التضاريس؟
- تشير المخرجات العلمية والدلائل الميدانية أن أصل أرض الرُّبْعِ الْخَالِي قاع وحوض رسوبي منخفض، ينحدر جهة الشرق والشمال الشرقي، كانت تغطيه مياه الخليج العربي قبل ملايين السنين، ثم انحسرت المياه تدريجياً عن الرُّبْعِ الْخَالِي وعن شرق الجزيرة العربية، ولكون الرُّبْعِ الْخَالِي منطقة منخفضة، فهي تتلقى سيولاً منقولة من الأطراف الغربية والشمالية الغربية من الجزيرة العربية كواد الدواسر على سبيل المثال، ومن هضاب اليمن المرتفعة والمنحدرة جهة الربع الخالي، ولأن الرُّبْعِ الْخَالِي كان يتلقى أيضاً أمطاراً موسمية بسبب الرياح الموسمية الجنوبية؛ أدى هذا إلى تكون البحيرات المتفرقة فوق سطح الرُّبْعِ الْخَالِي، وحولها استوطنت الحيوانات، وتوضعت النباتات، لآلاف السنوات، ثم شاء الخالق عز وجل أن يتغيّر المناخ بالتدرج عبر آلاف السنين من الرطوبة إلى الجفاف، فتصحرت الجزيرة العربية، والمنطقة العربية بشكل عام، وبدأت مرحلة بناء أعظم تجمع رملي عرفتها الأرض، عبر انتقال حبيباتها ولبناتها الأولى من شمال الجزيرة العربية ووسطها وشرقها وغربها عبر الزمنين الجيولوجيين الثالث والرابع - إن صدقت النظرية.
ويعد الرُّبْعِ الْخَالِي سياجاً طبيعياً، وحاجزاً بيئياً، بين جنوب الجزيرة العربية ووسطها، وعجائبه لا تنقضي وغرائبه لا تنتهي، إذ إنه أكبر مساحة جغرافية رملية متصلة في العالم لا يوجد فيها واد يُذكر، وذلك لطبيعة أرضه وسطحه الرملي، ولكون الكثبان الرملية بالرُّبْعِ الْخَالِي لا تسمح بتشكل الأودية الجارية، حيث تمتص الرمال الخشنة مياه الأمطار بشكل سريع؛ للنفاذية العالية للرمال، وبالتالي تُحفظ مياه الأمطار بنسبة عالية جداً مقارنة بمناطق أخرى يكون التبخر فيها عاليا، وفي شمال شرق الربع الخالي مررنا بل عبرنا فوق أخفض بقعة في جزيرة العرب وهي سبخة الحمر، حيث تنخفض الأرض فيها إلى مستوى دون سطح البحر بنحو 24م.
الكثبان الرملية
* سمعنا عن عظمة الكثبان الرملية بالربع الخالي فهل هذا صحيح؟ وما مصدرها؟
- لا يُعلم - على وجه الدقة - مصدر تلك الكثبان الرملية العظيمة في حوض الرُّبْعِ الْخَالِي، ولا متى نشأت، إلاّ أنها قديمة جداً وسابقة بني آدم نفسه، بل بعض المصادر تشير إلى أنها بدأت تتكون من مليوني سنة مضت والله أعلم، وينفرد الرُّبْعِ الْخَالِي بوجود أنماط مختلفة، ومتنوعة من الكثبان الرملية، وربما ينفرد بوجود أنماط قد لا تُرى في أي بحر رملي في العالم، كما تتميز رماله بتداخل أكثر من نوع وصنف في كثيب واحد أطلقت عليها (الكثبان المهجنة)، وشاهدت رمالاً لم أرها في حياتي لا في الطبيعة ولا خلف شاشات التلفاز ولا حتى في الصور أطلقت عليها (الكثبان ذات الأضلاع).. وأحسب أن الكثبان الرملية العظيمة ليست ثابته في أصلها في الرُّبْعِ الْخَالِي، ولكنها تتحرك ببطء شديد جداً، وما ثبت عند المراقبة الطويلة من قِبل علماء الجيومورفولوجيا بشركة أرامكو عندما راقبوا الكثبان الرملية العملاقة في عروق الشيبة لنحو ثلاثة عقود إذ وجدوا أنها لا تتحرك، والصحيح - والله أعلم - أن حركتها وزحفها قد لا يلاحظ خلال بضعة عقود بل يحتاج أكثر حتى يلحظ المراقب زحف الكثيب، بينما الغطاء العلوي من الكثيب يتحرك وينتقل، ونراها تكسو الطرق، والجوادّ، وبعض خطوط الأنابيب، والرمال المتحركة هي حبيبات تنتقل بفعل الرياح من أعالي قمم الكثبان إلى جهات أخرى، وتبقى السباخ البينية لا تندفن بالرمال ولا يبقى فيها شيء منها بل تكنسها الرياح وتحط بها على كثيب آخر، وتبين لي من خلال مراقبة الصور الفضائية أن كثبان الرُّبْعِ الْخَالِي - الجنوبية منها خاصة - تتمدد ببطء باتجاه الجنوب بفعل الرياح الشمالية السائدة، عبر أحواض الأودية التي تُصرف سيول الهضاب المتاخمة للربع الخالي في شمالي اليمن وسلطنة عمان، ويمكن بحساب معدل حركة الكثبان الرملية هناك تقدير زمن وصول الرُّبْعِ الْخَالِي سواحل بحر العرب وذلك قد يستغرق عدة قرون، هذا والله أعلم..
ولقد شاهد الفريق كثباناً رملية غاية في الارتفاع والضخامة والتعقيد في الشكل، خاصة في نطاق عروق الشيبة، وأجرى الفريق عملية حساب ارتفاع واحد منها فبلغ نحو 180م، وبعض المصادر تتحدث عن كثبان ترتفع نحو 200م، وهذا يعادل ارتفاع ثلثي برج المملكة بالرياض، وهذا يعكس مدى ضخامة وهيبة تلك الكثبان الرملية، وبعض المصادر تتحدث عن كثبان يبلغ ارتفاعها 300م، وأظن أن في هذه مبالغة ووصف من لم يزُر الرُّبْعِ الْخَالِي.
طائرة أرامكو تستعد للهبوط في مطار الشيبة بين كثبان رملية عملاقة
* كلمة أخيرة.
- في خضم الرحلة التي استغرقت ثمانية أيام وقطعنا نحو 4648 كم بودي أن أوصي بما يلي:
- يعد الرُّبْعِ الْخَالِي أكبر حديقة رمال بالعالم في تنوع كثبانها، وارتفاع قممها، وجمال مناظرها؛ فأهيبب الهيئة العليا للسياحة استغلال تلك المساحة الجغرافية لجلب السياح عبر الطائرات الخاصة للاستمتاع والتأمل والتدبر في خلق الله عز وجل.
- عدم المساس بالمياه الجوفية العذبة في غرب الرُّبْعِ الْخَالِي وتركها خزنا إستراتيجيا للبلاد.
- إيقاف تدفق المياه من بعض الآبار (القلمات) المفتوحة التي تستنزف المياه الجوفية بتدفقها التلقائي ثم تتبخر.
- أحذّر من المغامرة في رمال الربع الخالي ما لم يكن هناك تنسيق ومتابعة من حرس الحدود، واستصحاب الأدِلاء من أهل الخبرة، وإلاّ فإن السلامة لا يعدلها شيء.
وبما أن فريق كدن عاش في معية حرس الحدود جزءاً من الرحلة فإنني أوصي بما يلي:
- تجهيز سيارات حرس الحدود بمواصفات خاصة (من المصنع) تتناسب ومهام حرس الحدود في الكثبان الرملية العملاقة.
- إنشاء مطارات صغيرة في كل مركز حدودي ترتبط بمطارات أكبر كمطار مركزي عردة، والشيبة، وذلك لتسهيل العمل والاتصال بين رجال الحدود وغيرهم من الموظفين بالاتصال ببقية مدن السعودية والعالم.
- إكمال تعبيد طريق حرس الحدود الذي يوازي الحدود العمانية واليمنية.
- توفير خدمة الجوال في كل مراكز سلاح الحدود وهذا أقل ما نقدمه خدمة لجنودنا في وسط صحراء قاحلة منهكة ومهلكة.
- إدخال الطائرات الصغيرة والخفيفة في خدمة سلاح الحدود وذلك من أجل المراقبة والمطاردة في أكبر صحراء متصلة بالعالم.
سلاح الحدود كانوا في معية فريق «كدن» أثناء رحلتهم الاستكشافية
فريق «كدن» يستعد لبلوغ «أم الحيش» لتناول وجبة الإفطار على ضفاف بحيرة ماء وسط محيط الرمال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.