مع انتشار ثقافة التبرّم وما صاحبها من عدوى النكران وعدم رؤية منابع النور والجمال لم يعد سهلا ان تشيد بمؤسسة أو وزارة أو حتى مسؤول ناجح. نعم بتنا نخشى أن نقول "شكرا" ولو من الباب الشرعي الذي يستوجب أن نقول للمحسن أحسنت في حق من خشي الله فأدى أمانته مجتهدا مصيبا. من هنا لم نعد نرى أمامنا إلاّ أسماء المقصرين وهم ينافحون عن استراتيجيات لا تلد إلا تسويفاً ومماطلة، ويتزاحمون أمام ميكرفونات الخيبة التي ما استأجروها إلا لتبرير إخفاق أو تلميع فاشل! ترى كيف نخلق الإيجابية في شبابنا؟ وكيف نشكر ونكافئ من يتلمّس تحسين خدمات إداراته أو وزارته؟ كيف لنا أن نصنع القدوة والنموذج دون الثناء على من قدّروا الأمانة وتحمّلوا المسؤولية بإخلاص وذمّة؟ هل رأينا ما يجري في وكالة وزارة الداخلية للأحوال المدنية؟ ألم نلمس ما يجري في وزارة التجارة من حراك حوّل هذه المؤسسة العتيدة من وزارة "التُجّار" إلى وزارة المستهلكين؟ والغريب أن ما يجمع هاتين المؤسستين هو قلّة الضجيج الإعلامي وندرة طنطنة المؤتمرات والندوات التي أشغلتنا بها مؤسسات خدمية وأشغلت بها منسوبيها عن مهامها ومسؤولياتهم. تعرّفت على خدمات الأحوال المدنية عبر الإنترنت فجربتها مرّة فتكرّرت الحاجات (المؤجلة) مرّات أخرى وفي أوقات ومواقع مختلفة وفي كل مرّة أخرج من مكاتب الأحوال "مواطنا ممنونا" لبلدي ولمن وضع الرجل المناسب في مكانه المناسب. لم أكن مضطرّا للبحث عن "واسطة" في زياراتي للأحوال المدنية (على الرغم من معرفتي وعلاقتي برأس الهرم الإداري فيها)، ولكنني لم أجد نفسي محتاجا لمن يسرّع أعمالي فقد جرّبت وتواترت الأخبار أنك مع الأحوال المدنية ستنهي أعمالك في المكان القريب من سكنك، وفي الوقت الملائم لك آناء الليل وأطراف النهار. أمّا في موضوع وزارة التجارة فأعترف أنني لا أعرف الوزير الهُمام ولم التق به قط، ولكنني وجدت حضوره الإيجابي على ألسنة الممتنين الذين أنصفهم بعد أن تعطّلت حقوقهم في المساهمات العقارية لسنوات وربما لعقود. ورأيت الوزير الشاب مسخّرا حسابه الشخصي على "تويتر" للتواصل مع الناس وإبلاغهم بجديد وزارته وزملائه في القطاعات الشريكة. وهكذا في وزارة التجارة رأينا كيف تحوّل الوزير إلى "أمين مصالح" الناس. وفي الأحوال المدنية لمسنا كيف صار شعار "أحوالك أحوالنا" واقعاً تصل معه الخدمات إلى المواطن الذي تحوّل من "مراجع" إلى "مستفيد" تزوره الخدمات على الشاشة أو في الميدان أينما كان. لم أذكر اسم وزير التجارة "توفيق الربيعة" ولم أذكر اسم وكيل وزارة الداخلية للأحوال المدنية "عبدالرحمن الفدا" وليس مهمّاً ما يحملانه من القاب وسير ذاتية مشرّفة فقد تجاوزا الأسماء والألقاب إلى بناء نماذج وطنية إداريّة مشرّفة كم نتمنى استنساخها في بعض وزارات ومؤسسات حصرت جهودها في عروض "السيرك الإعلامي" لمسؤوليها. * مسارات.. قال ومضى: كن وزيراً كن رئيساً على "خدعة" الكرسي "الدوّار"، أمّا مع الناس فجرّب "متعة" لقب "مسؤول" بمرتبة "مواطن"..