ولي العهد يجدد إدانة المملكة للجرائم الإسرائيلية ومحاولات تهجير الفلسطينيين    340 طالبا وطالبة مستفيدون من برنامج الحقيبة المدرسية بالمزاحمية    إنقاذ مقيمة عشرينية باستئصال ورم نادر من فكها بالخرج    ولي العهد وملك الأردن يبحثان تطورات الأوضاع في فلسطين    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية الصومال لدى المملكة    فريق طبي سعودي يجري أول زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية    وزير البيئة والمياه والزراعة يلتقي أمين منطقة تبوك وعدد من قيادات الأمانة    "المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور" منصة عالمية للشراكات الإستراتيجية    رابطة العالم الإسلامي ترحّب بعزم أستراليا ودراسة نيوزيلندا الاعتراف بالدولة الفلسطينية    "انطلاق دورة صقل وترفيع حكام التايكوندو بجدة"    نائب أمير الرياض يستقبل سفير إندونيسيا لدى المملكة    ملتقى أقرأ الإثرائي يستعرض أدوات الذكاء الاصطناعي وفن المناظرة    أخصائي نفسي: نكد الزوجة يدفع الزوج لزيادة ساعات العمل 15%    وزير الشؤون الإسلامية يوجّه بتخصيص خطبة الجمعة القادمة عن بر الوالدين ووجوب الإحسان إليهما    بعد هدفه الأول مع الهلال.. من الأوروغواي: نونيز ينسجم سريعًا مع قاهر السيتي    البركة الخيرية تواصل دعم الهجر وتوزع السلال الغذائية والأجهزة في هجرة الوسيع    جامعة جازان تطلق برنامجًا تدريبيًا في الذكاء الاصطناعي    بدء استقبال الترشيحات لجائزة مكة للتميز في دورتها السابعة عشرة    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة قاع الثور    تراجع أسعار الذهب    احتلال مدينة غزة جزء من خطة استراتيجية تنتهي بالتهجير    أمير تبوك يستقبل المواطن ناصر البلوي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    باكستان تدعو لاتخاذ خطوات تنفيذية لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة    الهولندي "ManuBachoore" يحرز بطولة "EA Sport FC 25"    أوروبا تعلن استعدادها لمواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا    ثنائي ريال مدريد على رادار دوري روشن    أمير القصيم أكد أهميته الإستراتيجية.. طريق التمور الدولي.. من السعودية إلى أسواق العالم    شدد الإجراءات الأمنية وسط توترات سياسية.. الجيش اللبناني يغلق مداخل الضاحية    مقتل واعتقال قيادات إرهابية بارزة في الصومال    النيابة العامة: رقابة وتفتيش على السجون ودور التوقيف    «منارة العلا» ترصد عجائب الفضاء    «الهلال الأحمر بجازان» يحقق المركز الأول في تجربة المستفيد    منى العجمي.. ثاني امرأة في منصب المتحدث باسم التعليم    تشغيل مركز الأطراف الصناعية في سيؤون.. مركز الملك سلمان يوزع سلالاً غذائية في درعا والبقاع    حساب المواطن: 3 مليارات ريال لدفعة شهر أغسطس    حسام بن سعود يطلع على برامج جامعة الباحة    سعود بن بندر يستقبل مدير فرع رئاسة الإفتاء في الشرقية    والدة مشارك بالمسابقة: أن يُتلى القرآن بصوت ابني في المسجد الحرام.. أعظم من الفوز    البدير يشارك في حفل مسابقة ماليزيا للقرآن الكريم    عبر 4 فرق من المرحلتين المتوسطة والثانوية.. طلاب السعودية ينافسون 40 فريقاً بأولمبياد المواصفات    رانيا منصور تصور مشاهدها في «وتر حساس 2»    كشف قواعد ترشيح السعودية لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي 7.9 %    أخبار وأرقام    إطلاق مبادرة نقل المتوفين من وإلى بريدة مجاناً    ثمن جهود المملكة في تعزيز قيم الوسطية.. البدير: القرآن الكريم سبيل النجاة للأمة    النصر يسعى لضم لاعب إنتر ميلان    القادسية يعترض على مشاركة الأهلي في السوبر    الإفراط في استخدام الشاشات .. تهديد لقلوب الأطفال والمراهقين    ضمادة ذكية تسرع التئام جروح مرضى السكري    185% نموا بجمعيات الملاك    ترامب يعلن خطة لخفض الجريمة في العاصمة الأمريكية    مجمع الملك عبدالله الطبي ينجح في استئصال ورم نادر عالي الخطورة أسفل قلب مريض بجدة    نائب أمير جازان يزور نادي منسوبي وزارة الداخلية في المنطقة    جمعية "نبض العطاء بجليل" تطلق مبادرة أداء مناسك العمرة    القيادة تعزّي رئيس غانا في وفاة وزير الدفاع ووزير البيئة ومسؤولين إثر حادث تحطم مروحية عسكرية    بمشاركة نخبة الرياضيين وحضور أمير عسير ومساعد وزير الرياضة:"حكايا الشباب"يختتم فعالياته في أبها    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الواقعية في التفكير
نشر في الرياض يوم 12 - 07 - 2005

إن الانعزال عن الواقع والتقوقع في الدوائر الضيقة والخاصة، كلاهما يؤدي إلى رتابة فكرية ورؤية إدارية، تنظر إلى الأمور والقضايا إما أسود أو أبيض، وبالتالي تتعاظم الحواجز النفسية والذهنية التي تحول دون معرفة الواقع
يبدو أن العلاقة الجدلية التي تربط الفكر بالواقع وتأثير كل منهما على الآخر ستستمر وستأخذ ابعادا أخرى، مادامت الحياة الاجتماعية تنبض بالحيوية. فالواقع يثري الفكر ويضيف إليه أبعادا جديدة، كما أن الفكر يؤثر في الواقع ويسعى عبر الادوات العقلية والثقافية التأثير في الواقع وصياغته بما يتناغم والخطوط الكبرى للفكر.
وأمام هذا التأثير المتبادل بين الأفكار والوقائع ينبغي أن يكون هناك سعي نحو تنظيم هذا التأثير بحيث نبتعد في تفكيرنا وعملنا الفكري والنظري عن المجردات، دون أن نحبس أذهاننا في إطار الواقع الضيق لأن العقل البشري لاينمو أو ينضج إلا في زحمة الإتصال الاجتماعي، وفي ذات الوقت نعمل على ترجمة أفكارنا إلى وقائع وتحويل مفاهيمنا المجردة إلى قيم متجسدة في حركتنا الفردية الاجتماعية.
وتاريخ الفكر الإنسائي عبر أطواره المختلفة هو محاولة بشكل أو بآخر لترتيب هذه العلاقة وتنظيم مفاعليها ومتوالياتها، بحيث تتوفر القنوات الطبيعية لتأثير الفكر على الواقع، وذلك عبر وسائط بشرية وأدوات ثقافية واجتماعية مختلفة.
وفي ذات الوقت الواقع بوقائعه وأحداثه وتطوراته وصراعيته، يغذي الفكر ويثريه بأبعاد جديدة، وأن أي محاولة إنسائية لإبعاد الفكر تحت مبررات طوباوية أو صوفية لاتجدي نفعاً ولا تتمكن من جس الفكر عن محيطه الطبيعي كما أن أي محاولة لفصل الواقع ومنع تأثير الفكر في حركته لاتؤدي إلا إلى اكتشاف ضرورة الفكر في حركة الواقع من أجل تقويمه وتطويره.
ولقد حاول بعض الطوباويين في الولايات المتحدة الأمريكية أن يؤلفوا من أنفسهم مجتمعاً هادئاً بعيداً عن تكالب الحياة، وقد نجحوا في ذلك الأمر لكنهم سئموا منه أخيراً وهربوا منه، يقول (وليم جيمس) بعدما عاش بينهم بضعة أيام، أصبحت أشتهي أن أسمع طلقة مسدس أو المح لمعان خنجر أو أنظر إلى وجه شيطان.
ونحن هنا لاندعو إلى وقف الحركة الاجتماعية والمحافظة على التقاليد البالية والأعراف السيئة، وإنما ندعو إلى الواقعية في التفكير بحكم العلاقة الجدلية الثابتة التي تحكم علاقة الفكر بالواقع، ويضرب علماء الاجتماع بمثال واقعي على هذه العلاقة الجدلية بأنه عثر أحد الرعاة عام 1927م على طفل بشري في عرين الذئاب بالقرب من مدينة «الله أباد» في الهند وكان الطفل يبلغ من العمر عشر سنوات تقريباً، وقد توصل الباحثون إلى حقائق مدهشة في شأن هذا الطفل إذ وجدوا أنه يسلك سلوك الذئاب، فهو ينبح مثلها، ويأكل الحشيش، ويمشي على أربع وقد يهاجم البشر فيعضهم أو يعض نفسه وتنتابه أحياناً نوبات من التوحش الشديد، وحين نقلوه إلى أحد الملاجئ العقلية، هاجم الشرطة الذين كانوا يحرسونه عدة مرات.
فالواقع الذي عاشه هذا الطفل في الغابة أثر عليه تأثيراً مباشراً بحيث تحول نمط حياته إلى نمط حيواني.
فالواقعية في التفكير هي وليدة إدراك العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع.
مفهوم الواقعية:
والواقعية في التفكير تعني:
- تهيئة الأرضية الاجتماعية إلى المتغيرات والتطورات أو التطلعات العالمية والأفكار البعيدة.
- عدم الاتكاء أثناء عملية التفكير والتخطيط على الطوباويات والمثاليات، وهذا لايعني أن الإنسان لايحمل أفكاراً بعيدة، أوتطلعات مثالة، حيث إن الحلم ضرورة والتطلع جبلة إنسانية، ولكن حين التفكير للعمل والتخطيط للسعي ينبغي أن نبحث في أمور ممكنة وواقعية أي أن الظروف مواتية للوصول إليها. فالواقعية تعني: البحث في الأساليب الممكنة والمتاحة والعمل على قاعدة هذه الأساليب دون وأد التطلعات الإنسانية.
- إن الواقعية التي ندعو إليها لاتعني البرغماتية والنفعية والانتهازية، وإنما ندعو إلى التفكير الذي يأخذ الواقع بمكوناته وأشكالياته طرفا في عملية التفكير. فالواقعية هي فهم الواقع لا للإستسلام أمام مشاكله وتحدياته، وإنما للوصول إلى العوامل المناسبة لتغييره وتطويره، فهي لاتعني الانهزام النفسي أو الرضوخ السيئ لمؤثراتها، وإنما تعني أدراك الواقع بكل تفاصيله وإشكالياته، كما هو لا لندب الحظ وإنما للوصول إلى الطريقة المناسبة لتغييره.
كيف نحقق الواقعية في التفكير؟
ولكن السؤال الذي يطرح في هذا المجال هو: كيف نحقق هذه الواقعية في تفكيرنا بحيث تتحول إلى جزء أساسي في نمط التفكير والتخطيط.
1- التواصل مع الواقع
إن الانعزال عن الواقع والتقوقع في الدوائر الضيقة والخاصة، كلاهما يؤدي إلى رتابة فكرية ورؤية إدارية، تنظر إلى الأمور والقضايا إما أسود أو أبيض، وبالتالي تتعاظم الحواجز النفسية والذهنية التي تحول دون معرفة الواقع، ومن ثم التواصل والتفاعل معه، فيؤدي إلى غبش في الرؤية وضبابية في المفاهيم والمعايير.
وكل هذه الأمور تؤدي إلى إحدى حالتين: أما طوباوية حالمة لاترى إلاما ينبغي أن يكون وكأن الطموحات الإنسانية تتحقق صدفة أو بدون جهد، أو حالة من اليأس القاتل الذي لايرى من الواقع إلا النقاط السوداء وفي كلتا الحالتين تنعدم الواقعية في التفكير، ولهذا فإن تحقيق الواقعية في التفكير مرهونة بالتواصل الفعال (دون اللهاث العفوي) مع الواقع.
والتواصل يعني:
- التواصل مع الواقع على قاعدة من الوعي والحصيلة الفكرية التي تؤهل الإنسان لبيان رأيه وموقفه تجاه الواقع وأحداثه.
- إن التواصل لايعني الاكتفاء بملاحقة أحداث الواقع ومتابعة قضاياه وإنما تتضمن المساهمة والمشاركة في صنعه.
- القصدية والتخطيط والبعد عن ردود الأفعال المرتجلة التي لاتنم عن تفكير وتخطيط مسبق.
- الشهود والحضور والرؤية الشمولية للواقع دون العناية فقط بحقل خاص من حقول الواقع من زاوية واحدة فقط.
هذه المفردات جميعاً تشكل مفهوم التواصل مع الواقع، وحين تتعمق هذه المفردات والعناصر في حياة الإنسان، تتجلى قيمة الواقعية في تفكيره، فهي معيار دقيق يمنع التهوين والتهويل تجاه الواقع وقضاياه.
2- الموازنة بين التطلع والإمكانات:
لعلنا حين ندرس تجربة الإنسان في الحياة، نجد أن أحد الثقوب الأساسية التي تحول بين الإنسان وإنجاز تطلعه هو حالة الخلل بين الممكن والواجب بين التطلع والامكانات، إذ تختلط الأمور في ذهن الإنسان فيقوم في بعض الأحيان بأعمال وأنشطة ومشاريع، لاتتناغم وظروفه الواقعية، بل تنسجم وتطلعه المتعالي على الزمان والمكان.
فالتاجر الذي يدخل في صفقة تجارية رفيعة المستوى وأكبر من حجمه الواقعي لاشك أنه يعرض نفسه وتجارته للخطر والخسارة، لأنه دخل في مغامرة ليست محسوبة النتائج.
إننا في هذا المجال لاندعو إلى أن يتخلى الإنسان عن تطلعاته وأمانيه لأنها ضرورة من ضرورات الوجود الإنساني.
ولكننا ندعو إلى الإنسان على المستوى العملي ينبغي أن يعمل ويخطط ويدخل في الصفقات ويبني المشاريع ويتوسع في الإنشطة وفق إمكاناته وقدراته، لأن الإنسان مهما أوتي من قوة لن يستطيع أن يحقق تطلعاته دفعة واحدة، وإنما عليه أن يعمل ويسعى لتحقيق خطوات وإنجازات ومكاسب تقربه من تطلعه البعيد.
وعن طريق هذه الموازنة تتوفر الواقعية في التفكير لأنها تأخذ في الحسبان قدرات الإنسان وإمكاناته، ولاشك أن الواقعية في التفكير وفق المنظور المذكور أعلاه تعد ممارسة مضنية ولكنها ضرورية لترشيد الفعل الاجتماعي برمته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.