يحمل لنا التاريخ العربي الكثير من قصص الغلمان ودورهم في الحياة العامة، وفي أحيان كثيرة من أجل إبراز الحكمة والنبوغ على لسانهم في الصغر. وفي تاريخنا الحديث قلبنا المعادلة قليلا وبدأنا نعيش الجهل ونذوق المر والقهر من غلمان المدير. فأصبح لكل مدير بعض الغلمان ممن يندفع بل ويتهور في الذود عن اسمه ويردد كالببغاء فكره.وأسوأ أنواع الغلمان من يتطوع لتلك المهمة كرد فعل ساذج مقابل خدمة أو منفعة قضيت له. ولذلك عندما نقول عن مجتمع أو جماعة ما "خذ فالها من أطفالها وخذ علومها من جهالها"ندرك حجم الضرر الذي يمكن لغلمان المدير ان يرتكبوه من حماقات وأضرار خاصة خارج الوطن وتحديدا مع الإعلام. ولكن ليس بالضرورة أن يقدم الغلمان صورة مشوهة عن المجتمع بكامله ولكنهم بالتأكيد سيقدمون صورة مشوهة عن ذلك المدير الذي لم يحسن الاختيار حيث يقول أبو تمام : فلينظر المرء من غلمانه فهم خلائقه على أخلاقه بل تؤكد العرب ذلك في صورة المرء وتقارن علمه بالكتاب فتقول"الكتاب يُعرف من عنوانه والمرء يعرف من غلمانه". ويحاول صديقي صديق الحرف والحكمة أن يردد تلك العبارات التي تستنهض الهمة وتخفف من وطأة حماقة غلمان المكاتب حتى نتعرف عليها فلا نقع في مزالقها. فكم من مرة اشتكى حماقة غلام المدير فلان أو علان. فبعض غلمان الإدارة يسمع كلمات الغضب من مديره فيذهب مزهوا بها فيصبها كالزيت على نار غضب موظف أو مراجع يكره حماقة غلام المدير فإذا به يعرف منبع النتن ومصدره. الظاهرة العجيبة تتمثل في تنقلات الغلمان مع المديرين وظيفياً فعندما ينتقل مدير إلى مكان آخر فلا يحمل متاعه الشخصي فقط ,وإنما يحمل معه غلمانه وكأنه فريق كرة قدم لا يستطيع اللعب بمفرده. وأحمد الله أن الحال ليست كذلك في كرة القدم و إلا تعاقدت فرقنا مع فريق كامل لأجل لاعب واحد .عندها سيكون لدينا غلمان المدرب والحكم واللاعب الأجنبي. ولعلنا هنا نقف للنظر من الزاوية التنظيمية الوظيفية,فهل يوجد لدينا تربية إدارية لغلمان المدير؟ وما هي الدورات التي يقدمها معهد الإدارة للرفع من فهمهم للقيم الإنسانية والوظيفية؟والسؤال الأهم هل تعترف وزارة الخدمة بكادر وظيفي لغلمان المدير؟ طبعاً سيكون الجواب لا، ولكن لماذا يسمح لفرقة الغلمان هذه بالانتقال معه؟ طبعاً لن أقف طويلا عند حدود هذه النقطة ولكن لعلنا نبحث عن من يحمي حقوق بقية الموظفين والمراجعين من حماقة غلمان المدير؟ أعتقد أن لدينا الكثير من القصص التي تصلح روافد لمسلسل "طاش ما طاش" لعله يعيد الثنائي السعودي إلى العمل المشترك لإثبات أن اختلافهما لم يكن نتيجة إسفين دقه غلام لمدير ما في قناة ما.. عموما التجارب التي نعيشها جميعا ستجعلنا ضحايا لمزاجية إن لم يكن لحماقة غلمان المدير فمنهم من يوغر صدر المدير فلا يحسن استقبال مراجع أو احترام موظف، وآخر يتعمد إضاعة معاملة لأنه يعرف سلفاً انه لن يكون محل عقاب، وثالث تستهويه الهدايا والرشوة فيكون بذرة فساد تستشري في الصندوق الإداري.. وقس على هذا من القصص الكثير. يقول أبو مسعود عقبة بن عمرو :"حوسب رجل ممن كان قبلكم, فلم يوجد له من الخير شيء.إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر.قال :قال الله عز وجل :نحن أحق بذلك منه.تجاوزوا عنه". فقد أحسن ذلك الرجل اختيار غلمانه فعسى أن نسرع في حسن اختيار غلماننا إداريا،فإن لم نستطع فلندربهم،وإن لم نستطع فلنكف شرهم عن بقية الموظفين والمراجعين وذلك أضعف الإيمان. تقول العرب "أرسل حكيماً ولا توصه"فما عسى أن نقول في هذا المقام سوى اختر غلاماً حكيماً ولا توصه. وكفاكم الله حماقة غلمان المديرين..