سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    "الغذاء " تعلق تعيين جهة تقويم مطابقة لعدم التزامها بالأنظمة    الثلاثاء المقبل.. رفع نسبة استقطاع التقاعد للموظفين الجدد    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    في جولة الحسم الأخيرة بدور المجموعات لمونديال الأندية.. الهلال يسعى للتأهل أمام باتشوكا    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    النصر يفسخ عقد مدربه الإيطالي بيولي    طقس حار و غبار على معظم مناطق المملكة    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    حظر التبغ والأجبان و"التجميل" في البقالات    الإطاحة ب15 مخالفاً لتهريبهم مخدرات    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    ما يسوي بصلة… مع الاعتذار للبصل    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    مؤتمر صحفي يكشف ملامح نسخة تحدي البقاء لأيتام المملكة    الهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين تنهي استبدال كسوة الكعبة    «الظبي الجفول».. رمز الصحراء وملهم الشعراء    الإبداع السعودي يتجلى في «سيلفريدجز» بلندن    الهلال يصل ناشفيل وكوليبالي يحذر باتشوكا    صدام بين السيتي واليوفي على الصدارة    رخصة القيادة وأهميتها    أوكرانيا: 19 قتيلاً في ضربات روسية.. ومساعدات هولندية لصناعة المسيرات    المملكة حضور دولي ودبلوماسية مؤثرة    توقيف قائد «داعش» في لبنان    صوت الحكمة    صيف المملكة 2025.. نهضة ثقافية في كل زاوية    بكين تحذّر من تصاعد توترات التجارة العالمية    مهندس الرؤية وطموحات تعانق السماء    مرور العام    جبر الخواطر.. عطاءٌ خفيّ وأثرٌ لا يُنسى    القطاع غير الربحي في رؤية 2030    الجوعى يقتلون في غزة.. 94 شهيداً    دورتموند يكسب أولسان ويتصدر مجموعته بمونديال الأندية    «الشورى» يطالب بخفض تذاكر طيران كبار السن والمرابطين    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    وزير البلديات والإسكان يتفقد مشاريع استثمارية نوعية في الشرقية    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    رئيس جامعة أم القرى يترأس الجلسة العاشرة لمجلس الجامعة للعام الجامعي 1446ه    بنفيكا يكسب البايرن ويتأهلان لثمن نهائي مونديال الأندية    النفط يتراجع بعد يوم من التصعيد وإنهاء الحرب    أمير الجوف يبحث تحديات المشروعات والخدمات    أقوى كاميرا تكتشف الكون    انحسار السحب يهدد المناخ    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الميتوكوندريا مفتاح علاج الورم الميلانيني    استشارية: 40% من حالات تأخر الإنجاب سببها الزوج    أسرة الفقيد موسى محرّق تشكر أمير المنطقة على مشاعره النبيلة وتعزيته    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    جامعة أم القرى توقّع مذكرة تفاهم مع هيئة جامعة كامبردج لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي في تعليم اللغة الإنجليزية    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالحي حلمي
نشر في الرياض يوم 27 - 05 - 2005

نشأ الفتى وترعرع في مدينة بني سويف من مدن الصعيد في مصر، وتعلم تعليماً أولياً، ثم رحل إلى الاسكندرية حيث التحق بالعمل عند «إسماعيل باشا حافظ» وكان من الوجوه والأعيان الذين كان لهم رفعة شأن وعلو مقام في هذه الفترة وكان بيت إسماعيل باشا حافظ أشبه ببيت هارون الرشيد في العصر العباسي، حيث كان قبلة رجال الفن والأدب، وكانت لياليه الساهرة الباهرة حديث المجتمع وقتذاك، ففي رحابه ترددت أجمل الأصوات، وتصاعدت أحلى النغمات، وعزف الموسيقيون روائع فنهم، وبدائع نغمهم، ولا غرو بعد ذلك أن ورثت ابنته الفنانة «بهيجة حافظ» هذا الولع بالموسيقى، وهذا التعلق بأهداب الفن، والعمل الدائب على تشجيعه والأخذ بناصره.
المهم أن عبدالحي حلمي نشأ في هذه البيئة الفنية الخصبة، فتمكن من حفظ كثير من الألحان القديمة التي كان يغنيها المطربون القدامى، أمثال عبده الحمولي، ومحمد عثمان، والشيخ عبدالرحيم المسلوب، فأخذ عبدالحي حلمي يقتفي آثار هؤلاء المطربين ويسير على منوالهم لولا أنه كان «يشط» في بعض الأحيان عن ألحانهم ويغني بوحي مزاجه الخاص وبطريقته الخاصة دون أن يحفل بالقواعد الموسيقية، والنبرات الصوتية التي كان يحرص عليها هؤلاء المطربون.
وقد وهبه الله صوتاً حلواً أخاذاً، وحنجرة صافية رائقة، ولذلك كان عبدالحي حلمي من أروع المطربين الذين أدوا «الموال»، حتى أنه لا يضارعه في ذلك فنان. ولذلك كان كل المتصلين به، وكل الداعين له، في فرح من الأفراح أو ليلة من الليالي، يحرصون على أن يسمعهم عبدالحي حلمي «الموال» الذي تفنن في أدائه تفنناً مبدعاً يستحق التسجيل.
ولكنه كان إذا جلس لأداء دور من الأدوار، وحاول ضابط الإيقاع أن يرشده إلى وجوب المحافظة على الإيقاع الموسيقي أبدى ضيقه وأظهر غضبه، واعتبر ذلك مساساً بكرامته، وحطاً من قيمته، وخدشاً لفنه الرفيع الذي يؤديه بوحي من روحه الفنانة، وإحساسه المرهف.
ولذلك اشتهر عبدالحي حلمي بالتحرر من القيود التي كان يرسف فيها غيره من الفنانين، ولا يحيدون عنها أو يتخلصون منها قيد أنملة!
والحق أن الفترة التي عمل فيها عبدالحي حلمي «مذهبجياً» في فرقة عبده الحامولي، مكنته من الاتصال بأستاذه الذي حاول أن يخلص من التقاليد القديمة التي ورثها المصريون، على ما قيل، من رجل يسمى «شاكر أفندي» من أهالي حلب، وفد إلى الإقليم المصري في المائة الأولى بعد الألف.
كما كان عبدالحي حلمي من أوائل المطربين الذين غنوا في المحلات العامة والكازينوات والمقاهي، ومن تلك الأماكن «حديقة الازبكية» التي افتتحت رسمياً عام 1872، وحضر الاحتفال الخديوي وكبار رجال الحاشية، وجيئ لها بأشجار من الصين والهند والسودان والمناطق الاستوائية، وبأحراش وحشائش وأزهار، كما استحضر لها المسؤولون أنواعاً مختلفة من الطيور المائية والأسماك بعد تعميقها، ثم ردمت عام 1905م. بيد أنها أصبحت بعد تسويرها مرتعاً للطرب والغناء، وأقيمت فيها محلات للغناء الأوروبي. وأخرى للغناء العربي، وكانت أشهر المقاهي في هذه الفترة قهوة عثمان أغا وقهوة البسطوسي، وظهر في هذه المقاهي عبده الحامولي، كما غنى فيها محمد عثمان، ومحمد سالم الكبير، ومحمد السبع، وغنت فيها شهيرات المغنيات، ومنهن فاطمة الفارة، والوردانية، وساكنة، وعمر أفندي وغيرهن.
وكان لعبدالحي حلمي دور كبير في هذه الحديثة حيث غنى بين أكنافها وردد مواويله وأدوار عبده الحامولي ومحمد عثمان في مقاهيها، فجذب إليه جمهوراً كبيراً من الناس الذين كانوا يعشقون فنه، ويترددون على هذه الأمكنة ابتغاء سماعه والائتناس بفنه!
وكان الشيخ يوسف المنيلاوي من أشهر المغنين في عصر عبدالحي حلمي، وكان يوسف المنيلاوي ينافس عبدالحي حلمي في الشهرة والصيت، إذ اعتبر بعد موت عبده الحامولي ومحمد عثمان العندليب الأوحد في كل وادي النيل. وكان سامعوه من كبار القوم يؤمون مجلسه فوق تخته الكامل، تحت رئاسة المرحوم محمد العقاد الكبير، الذي ملك ناصية العزف على القانون ومعاونه إبراهيم بهلون الكماني العظيم، وأمين البرزي، وغيرهم. كما اشتهر بإنشاد قصيدة «ته دلالاً فأنت أهل لذاك» فلما انتقل الشيخ يوسف المنيلاوي إلى رحمة الله تعالى في 6 يونيو عام 1911 ازداد نجم عبدالحي حلمي التماعاً، وأصبح مقصد الناس من كل حدب وصوب، ومضى يسجل الأدوار التي غناها على مجموعة من «الأسطوانات» التي أقبل عشاقه على شرائها.
ولكن مهما يكن من شيء، فإن عبدالحي لم يكن ملحناً، إنما أدى بعض أدوار الموسيقيين القدامى كما سبق أن أشرت، ولم يلحن سوى القليل من الأهازيج و«الطقاطيق»، مثل «حلالي بلالي، وافاني الحبيب» وما إلى ذلك.
ويقول بعض مؤرخي الموسيقى المسؤولين إنه لم يكن إلا مؤدياً لأدوار غيره من الملحنين، ولم يسلك سبيل الموسيقى المسرحية التي نبغ فيها داود حسني، ما مهد بعد ذلك لظهور روائع سيد درويش. بيد أنه كان من أقطاب غناء «التخت».
ومما يروى عن عبدالحي حلمي، أن مزاجه الخاص كان يدفعه أحياناً إلى ركوب متن الشطط، ومثال ذلك أنه بلغت به الجرأة أنه كان يهجر الحفلة التي تسلم أجرها إذا شعر بأي مضايقة، مولياً وجهه شطر إحدى الحدائق حيث يجلس في أحضان خميلة من الخمائل، أو على حافة غدير من الغدران، أو يتجه صوب النيل، حيث يجلس على ضفافه، ويمضي يناجي الطبيعة بكل ما أوتي من براعة فنية، وإذا كان في الاسكندرية، وشعر في عراس أو ليلة من الليالي بضيق، انطلق كالطير الحبيس المنطلق من القفص صوب البحر حيث يجلس على حافة صخرة من الصخور يناجي الأمواج التي ترتطم بالشاطئ، والزبد الذي يتطاير كالقطن المندوف حول قدميه، دون أن يعبأ بأصحابه الذين تركهم في الحفل، أو أصحاب الفرح الذي دعوه إلى الغناء فيه وإطراب السامعين!
ويحكي أحد زملائه في فن الغناء، وهو الأستاذ إبراهيم شفيق مدير معهد الاتحاد الموسيقي بالقاهرة، أنه كان يغني معه ذات ليلة في أحد الأفراح، وكان عبدالحي حلمي يغني للرجال، أما إبراهيم شفيق فكان في الحرملك يغني للسيدات، ومضى عبدالحي حلمي ينف الآذان بأدوار عبده الحامولي ومحمد عثمان، وينتقل من المواويل إلى الطقاطيق إلى غير ذلك من الألحان. وفجأة شعر عبدالحي حلمي ببعض الضيق، فغافل المدعوين وانسحب في خفة، دون أن يشعر به أحد، وكان الحفل مقاماً في مدينة الاسكندرية، فولى عبدالحي وجهه صوب البحر، وترك التخت والمدعوين قلقين، وانطلق وحيداً يغني للبحر ويردد ألحانه للموج!
وعلت الحيرة وجوه أصحاب الفرح، وأدركتهم الدهشة، بيد أن ذهولهم انحسر عنهم عندما علموا أن هذه عادته، وأن هذا دأبه! وفي هذه الليلة مضى إبراهيم شفيق يغني للرجال والسيدات معاً، حتى انقضى الليل وتنفس الصباح!
ولكن هذا السلوك الشخصي قد لا يغير في الحقيقة التاريخية الواضحة، وهي أن عبدالحي حلمي كان زعيماً من زعماء غناء التخت، وعنه تلقن أصول الفن المطرب المعروف صالح عبدالحي، وكان عبدالحي حلمي خالاً لوالدة صالح عبدالحي، ولذا لزمه صالح في غدواته وروحاته الفنية، وكان صالح لا يزال في دور الطفولة، بيد أنه كان يهوى سماع خال والدته، ويلاحقه أينما كانت السهرة، ويجتهد في الاقتراب من مكان التخت، لكي يسمع ويحفظ يطرب، ولما توفي خاله واتته الفرصة للغناء، وتدرج في مدارج الغناء على يد بعض العازفين، وفي مقدمتهم المرحوم محمد عمر عازف القانون، الذي يعتبر صاحب الفضل في إبرازه للجمهور.
ومن الحقائق التاريخية الثابتة، أن عبدالحي حلمي كانت له اليد الطولى في تلقين صالح عبدالحي أصول الغناء، ولذلك أضحى من أبرز تلاميذه، فضلاً عن صلة القربى التي تربطه به.
ومن الأدوار التي غناها عبدالحي حلمي «على روحي أنا الجاني» لمحمد عثمان، و«بستان جمالك» لمحمد عثمان، و«قدك أمير الأغصان».
وقد يكون في بعض هذه الأدوار معان صريحة سافرة، ولكن هكذا كان حال الفن في ذلك الوقت، وكان أكثر الأدوار يتعلق بالشكوى والغرام والهيام وسهر الليالي، ولوم اللوام، والعزل والواشين، والمخاصمين، وذكر أحوال الصدود والإعراض، والوصال والدلال، وقد يستخدم المؤلف في التعبير عن خواطره وخلجات نفسه. وقد ظهر ذلك في الطقاطيق بشكل واضح ملموس وبصورة واضحة جلية كما في طقاطيق «تملالي يا حبيبي على مهلك»، «يا امه الجدع دا منين» و«الساعة كام يا سي محمد» ونحو ذلك.
ولم يكن عبدالحي حلمي مندفعاً مع هذا التيار إلا بقدر تأثير البيئة الفنية فيه، بيد أنه لم يتسق مع هذا التيار الجارف الذي تفشى في الأوساط الفنية، بشكل الوباء الذريع، وكان منبعثاً من الطبقات الوسطى، ثم انتشر في جميع الطبقات، ثم لم يلبث أن تضاءل وانحسر في مجال ضيق محدود.
هذا وقد أدركت عبدالحي حلمي في أواخر حياته علة شديدة يقال إنها الذبحة الصدرية، فانتقل إلى رحمة الله في الاسكندرية وهو في الحلقة السادسة من عمره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.