إذا كان ثمة أداة أساسية من أدوات تكنولوجيا الاتصال الحديثة أسهمت فعلاً في تغيير نمط حياة الناس في بلدان الشمال والجنوب رأساً على عقب في السنوات العشر الأخيرة فهي الهاتف الجوال وليس الكمبيوتر. فالحاسب الآلي لا يزال سعره مرتفعاً بالنسبة إلى مئات الملايين من الناس بالإضافة إلى أن مستخدميه هم من المتعلمين. أما الهاتف النقال فهو سهل الاستخدام وأقل كلفة من الكمبيوتر وفي متناول كل الناس. بل إن غير المتعلمين قادرون اليوم على التعاطي معه لا للتواصل فحسب بل أيضاً لقضاء شؤونهم اليومية. ومن التجارب الهامة التي يستخدم فيها الهاتف الجوال في تنشيط الدورة الاقتصادية الزراعية في البلدان النامية تلك التي تجري اليوم في السنغال افريقيا الجنوبية لفائدة المزارعين والمربين الذين ليست لديهم الامكانات الكافية لترويج منتجاتهم عبر مسالك التوزيع التقليدية. وغالباً ما يوجد هؤلاء في أماكن بعيدة عن المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة كالمدن، مما يعقد نقل منتجاتهم وبيعها في أسواق هذه المدن. وفي السنوات الثلاث الأخيرة تم التوصل إلى إنشاء شبكات مهمتها الأساسية ربط هؤلاء المزارعين والمربين وصائدي السمك بموزعي المنتجات الزراعية والغذائية من جهة، وبالأسواق نفسها من جهة أخرى. ففي السنغال مثلاً يشترك أكثر من ثمانية آلاف من المزارعين والمربين وصائدي الأسماك في شبكة هاتفية تسمح لهم مقابل ثلاث دولارات في الشهر بالاتصال مباشرة عبر الهاتف الجوال بالأسواق المجاورة لأخذ فكرة عن أسعار المنتجات الزراعية يوماً بيوم. وتسمح لهم المعلومات التي يحصلون عليها بالتفاوض مع موزعي هذه المنتجات أو الذين يشترون منتجاتهم ليبيعوها في ما بعد بالجملة أو بالتفصيل في هذه الأسواق. وقد لوحظ أن هذه الطريقة في التفاوض بين المزارعين الصغار من جهة والمشترين بالجملة أو الموزعين من جهة أخرى فوائد كثيرة. فهي تتيح فعلاً للمزارع بتجنب المرور عبر الوسطاء الذين يسعون في كثير من الأحيان إلى شراء منتجاته بسعر رخيص وبيعها بالجملة أو بالتفصيل بأسعار مرتفعة جداً. وهي تتيح للطرف الآخر أي المشتري بالجملة أو الموزع الحصول بسرعة على المعلومة الجيدة حول البضاعة التي يبحث عنها وحول نوعيتها وجودتها. وقد أثبتت الدراسات الاقتصادية التي أجريت بشأن هذه التجربة أن الهاتف الجوال أسهم فعلاً في جعل كثير من المنتجات الزراعية تحافظ على جودتها عند وصولها إلى المستهلك خلافاً لما كان عليه الأمر من قبل. وهو حال الأسماك والخضر والفواكه الطازجة. فقد كان المزارعون ومربو الحيوانات وصائدو السمك من قبل يتولون بأنفسهم في أغلب الأحيان نقل منتجاتهم إلى الأسواق فيقطعون عموماً مسافات كبيرة تحول دونهم ودون الاحتفاظ بمنتجات طازجة. بل إن كثيراً من هؤلاء المزارعين والمربين وصائدي السمك يتعرضون أحياناً لمشاكل مادية خطيرة بسبب نفوق الحيوانات أثناء السفر أو تعفن المنتجات الأخرى وهو حال السمك. وفعلاً يسهم الهاتف الجوال اليوم في الحد من هذه المشكلة.