تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن الاستعدادات المكثفة التي تبذلها معظم الأسر السعودية في هذه الأيام للاختبارات النهائية. ولنكمل تلك الصورة سنتناول اليوم جوانب من الظواهر التي تحدث أثناء فترة الاختبارات نفسها. لقد أشرت بشكل مختصر إلى أن نظامنا التعليمي، وثقافتنا العامة لا يزالان يمنحان الاختبارات مكانة خاصة في قائمة الاهتمامات بالشأن التعليمي، على الرغم من المحاولات التي جرت لتخفيف الإجراءات الشكلية المرعبة للاختبارات. وفي تقديري أن اهتمامنا الزائد بالاختبارات يأتي لعاملين أساسيين الأول يأتي من نظام التقويم المتبع الذي لا يزال يعتبر الاختبارات الفصلية، والنهائية الوسيلتين الأكثر نجاعة لتقييم مستوى تحصيل الطلاب، على حساب عمليات التقويم المستمر وتقويم الواجبات المنزلية. والعامل الثاني يأتي من إحساسٍ في داخل كل أب أو أم بأن التركيز في المتابعة خلال هذه الفترة سيعوض تقاعسنا عن متابعة أبنائنا خلال العام الدراسي، وهي فترة قصيرة يمكن تحملها لنثبت أننا مهتمون بمستقبل أبنائنا، وأن التعليم يمثل في ثقافتنا قيمة سامية تعادل ما يهتم به أبناء الثقافات الأخرى الذين يرون في التعليم المستقبل الحقيقي لأوطانهم. وفي تقديري أيضاً أن اهتمامنا بالاختبارات هو اهتمام شكلي فنحن - حقيقة - لا نعرف بالضبط ماذا يدرس أبناؤنا استعداداً للاختبار، فالمهم أن نراهم مكبين على كتبهم ودفاترهم وأوراقهم، فهو دليل على اجتهادهم وحرصهم. ومن المهم أيضاً أن نراهم يسهرون الليل في تلك المذاكرات، وربما نحرص على إحضار مدرس خصوصي لنكون قد وفرنا لهم كل أسباب النجاح. ومن المهم أيضاً أن نسأل السؤال التقليدي عندما يعود أبناؤنا كل يوم من المدرسة وهو: كيف عملت في الاختبار؟ وننتهي عند هذا الحد، لننتظر بعد ذلك نتائج الاختبارات، ونقوم بعد ذلك بالمحاسبة، فهناك جوائز للمتفوقين، وهناك الشماتة والتقريع للراسبين. هذا الاهتمام الشكلي بالاختبارات ليس مقصوراً على الآباء والأمهات، وإنما هو واضح أيضاً في سلوك الطلاب والطالبات خلال فترة ما قبل الاختبارات. فمعظم الطلاب يرون في هذه المرحلة بأنها محطة ثقيلة على النفس، فهي تقيّد بعض سلوكهم المنفلت طيلة العام الدراسي. وهي أيضاً مرحلة يحشر فيها بعض الآباء والأمهات أنفسهم في نقاش حول مواضيع قد تكشف عن حقيقة مستوياتهم العلمية الضحلة، وثقافتهم العامة الهزيلة، وقد يخشى البعض من الأبناء من تجاوز تلك الحالة إلى مرحلة من الغضب والتهديد وربما العقاب من قبل الأب أو الأم أو الأخ الكبير. وفي هذه الفترة القصيرة التي تمضي بطيئة عند الطلاب والطالبات، تبرز أحد أهم ملامح الانفصام بين الطالب ومدرسته بكل ما فيها من قيم ومصادر ومعلمين. فيتم التخلص من الكتب الدراسية يومياً وبكل ازدراء، وكأنها كانت عبئاً عليه يحمله يومياً إلى المدرسة. ويعبّر الطالب بخروجه من مدرسته بعد الاختبارات بكل عنفوان التمرد والانعتاق من همّ كبير، فتشاهد مناظر عجيبة من الانفلات أمام المدارس، فبعض الشباب الكبار يبدؤون باستعراض مهارات التفحيط بالسيارات، والاستهتار بكل حقوق المارة ومستخدمي الشارع. والأطفال الصغار يعبّرون عن هذه المرحلة بكل الوسائل الممكنة من شجار وتدافع ورمي المخلفات وغير ذلك من السلوكيات. وتتضح ملامح الانفصام بين الطالب والمدرسة من خلال تخلي المدرسة عن دورها التربوي خلال هذه الفترة، فعلاقة المدرسة بالطالب تنتهي عند نهاية فترة الاختبار، والمعلم لا يهمه سوى أن يجمع أوراق الإجابات، فيذهب إلى مكتبه أو منزله غير عابئ بما يحدث في المدرسة من سلوكيات، وغير عابئ بما قد يحتاجه الطالب من توجيهات، وغير عابئ بما يعانيه بعض الطلبة من صدمة في الاختبار. فكل طالب مسؤول عن نفسه، وكل أسرة يجب أن تتابع أبناءها، والمعلم قد أوصل الجميع إلى نهاية العام الدراسي. أحسب أننا إذا أردنا أن نعرف حقيقة العلاقة بين الطالب ومدرسته، وحقيقة تقدير قيمة التربية والتعليم في نفوس أبنائنا، فلننظر إلى ما يجري أثناء فترة الاختبارات من مظاهر من الانفلات السلوكي الذي يعبر عن شعور مكبوت من الازدراء والغضب، وعدم الاحترام للمدرسة وللعلم والتعليم في نفوس الطلاب، فينفجر ذلك دفعة واحدة ليقول لنا إننا نعاني فعلاً من نظام تعليمي غير قادر على استيعاب تطلعات واحتياجات الطالب، وغير قادر على إحداث تغيير إيجابي واع وعميق لموقفه وقناعاته من المدرسة بشكل خاص، ولاهتمامه بالعلم والتعليم بشكل عام. والله من وراء القصد..