جاء فوز رجاء عالم بجائزة البوكر مناصفة مع محمد الأشعري متوجا لجهد رجاء الأدبي والثقافي، غير المحدد بجنس، ذلك أنها منذ أن تألقت كتابيا قبل ما يقارب ثلاثة عقود، جاءت وهي تخط الطريق لكتابة مختلفة، وقراءة مختلفة. كان جزء من كتابتها عبر مقالات جريدة الرياض في صفحة حروف وأفكار يهيئ مساحة من التلقي لهذه الكتابة التي ترتاد مفاوز مختلفة في عالم الكتابة، فمضت الكاتبة ومن يتفاعل معها، ويتماهى مع التأويل الذي تشرعه في كتابتها، حتى كان ذلك التدوين منها لعالمها الكتابي وتدويناتها، ومراودة المتلقي في رواية طريق الحرير، الصادرة عام 1995م. فازت رجاء وهي الأنثى بالجائزة، لكن الفوز الأنثوي لم يكن الشاغل لها في كتابتها بقدر ما تجد الأفق الإنساني مستوعبا للأنوثة في تضاعيف وجوده وحركته، ذلك الأمر الذي استثارته وحركته في عوالمها، مستقبلة الطاقات الأنثوية الكاملة التي تستنفر البعد الإنساني في الخلق والتكوين. حين ختمت رجاء نصها (طريق الحرير)، أوردت قوله تعالى: (إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم)، ولم تعلق وهذا شأنها دائما، تدع القارئ يتأمل ويتأول، ولعل ذلك يشي بشعور الكاتبة بالإنجاز عند نهاية الرحلة، ويشي بمحايثة إنجازها مع ذلك التاريخ الذي كانت زعامة المرأة مع زعامة الملك والتسخير والنبوة؛ ولذلك حشدت الطاقات التي تشي بامتلاء أنثى بها؛ ولذلك لم تجعل إنجازها إنجازا لأنثى إنسية تصاول الواقع وتراوده، وإنما جعلته إنجازا لكل القوى التي تداخلها، وتتشح بها.. كأن رجاء تماهت مع نصها وتشكله، أرادت أن يكون تشكلها والنظر إليها من هذا العالم الذي اشتغلت عليه وكونته، لا تريد أن يكون النص موصوما بالأنثوية، ولغة الأنثى، وإنما تريد أن يتجلى فيه فعل الكاتبة (الإنسان)، التي تشكلت في النص، حين كتبت النص بتكوينها التاريخي والحضاري وباختراقاتها الخيالية، ومزيجها الغريب في عالمها النصي، لقد تماهت رجاء مع تشكيلاتها وارتقت إليها، ودعت قارئها إلى ذلك الأفق، وإلى التخلي عن عادات في التلقي تحيز النص بين ذكوري وأنثوي، وبين واقع وخيال؛ لذلك كانت تعد هذه التأويلات السطحية برودا وأقنعة تخرج خلفها مسفرة عن وجودها النصوصي، فهي التي تقول: «ومثل هذه البرود تدفعني فاسفر عن قناعي مما وراء النص وإنسيتي، والتعبير عن مخاوف قديمة.. إذ لم أحرص في رحلتي على شيء حرصي على امتلاك الأصول بذكوريتها وأنثويتها، إنسيتها وجانها، حقيقتها وأحلامها.. فأبحت لكل مسافر أن يشتط في التتويج» وبقدر ما كانت أنوثة الكاتبة في أعمال رجاء لا تتخلق إلا من داخل النص وتكوينه، فقد كانت تنأى عن أن يكون ذلك التأنيث رسول أعمالها إلى القارئ؛ إذ لم تحضر الأنثى إلا بوصفها كينونة إنسانية خلاقة تنشئ النص وتتكون داخله. وإذا كانت رجاء قد عنيت في أعمالها بتفاصيل الحياة المكية، وسافرت في أعماقها في الذات الإنسانية، وسافر نصها في فضاء الحياة وعلاقات الناس - وبيوتهم، وعبر أجناسهم وأعراقهم وبلدانهم، وهفا إلى البيت والمزارات وعوالم الأشواق الروحية والحسية في البيت والمزارات، وفي مصائد الحب، وتعرية الذات.. فإن هذا الأمر لم يتجل إلا من خلال تكوينه النصي الذي انتقل إليه وأشرق فيه، وأضحى وجوده السحيق مجرد ذاكرة يحيل إليها النص، لهذا فإن هذه التفاصيل ليست هي التي مازت نص رجاء، فهي مبثوثة في الذاكرة والمكان، وإنما مازها هذا التشكيل والتكوين النصي الذي عبث بالعلاقات وعبث بالتاريخ، وبحدود الزمان والمكان ليشكل نصه؛ لذا كان نص رجاء لا ينقل عالما مستدعى من تاريخ أو جغرافيا محددة؛ وإنما كانت تكوَن عالمها وفق تشكيلها النصي، فتجاوز المشهود إلى عالم الخفاء، والماضي إلى الحاضر، والحكاية إلى التدوين، والسر إلى الجهر..؛ فتتماهى شخصياتها والسارد مع هذا العالم الذي نبتت فيه، ما يهيئ القارئ للتماهي مع هذا العالم فتشتعل طاقة التأويل؛ ذلك التأويل الذي يبدأ حركته من تكوين النص، ويتفاعل معه، ويتجسد في لغته، حين يسيل مع حركة اللغة حين تسيل بالعالم وتنبته.