إحباط تهريب (114,000) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في جازان    أول فعالية بولو على كورنيش الدوحة تدشن انطلاقتها بمنافسات عالمية وظهور تاريخي لأول لاعبي بولو قطريين    أمير حائل ونائبه يعزيان أسرة آل عاطف في وفاة "أبو مرداع"    غداً .. الرياض تشهد ختام الأسبوع الأول من بطولة الجائزة الكبرى "قفز السعودية"    فيزيائي سعودي يقرأ المقامات الموسيقية من منظور علمي    الأردن يكسب العراق ويواجه الأخضر السعودي في نصف نهائي كأس العرب    ورشة عمل في كتاب جدة حول فلسفة التربية    تصوير الحوادث ظاهرة سلبية ومخالفة تستوجب الغرامة 1000 ريال    رئيس دولة إريتريا يصل إلى جدة    الجمعية الجغرافية بعسير تنفذ زيارة علمية لمعالم السودة الجغرافية    آل ناشع يرعى فعاليات اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة    تعليم جازان يشارك في فعاليات اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2025 بركن توعوي في الراشد    السلامة الرقمية في غرف الأخبار بفرع هيئة الصحفيين بالمدينة    الطائف تحتضن حدثًا يسرع الابتكار ويعزز بيئة ريادية تقنيه واعدة في CIT3    جلسة حوارية حول اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة نظمتها جمعية سنابل الخير والعطاء بعسير    تحت شعار "جدة تقرأ" هيئة الأدب والنشر والترجمة تُطلِق معرض جدة للكتاب 2025    الذهب يستقر عند أعلى مستوى في سبعة أسابيع، والفضة تقترب من ذروة قياسية    رينارد: الفوز جاء بروح الفريق    "الداخلية" تستحضر قيمة المكان والذاكرة الوطنية عبر "قصر سلوى"    الجوازات تستعرض إصدارات وثائق السفر التاريخية في واحة الأمن بمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل ال (10)    الصعيدي يفتح دفاتر الإذاعة في أمسية بقصيرية الكتاب    إمام الحرم: بعض أدوات التواصل الاجتماعي تُغرق في السطحيات وتُفسد الذوق    إمام وخطيب المسجد النبوي: رحمة الله تسع العاصي والجاهل والمنكر    الأخضر على أعتاب رقم قياسي في كأس العرب    تألق كبير لثنائية كنو والدوسري في كأس العرب    أمير منطقة جازان يشرّف الأمسية الشعرية للشاعر حسن أبوعَلة    امطار وضباب على اجزاء من منطقة الرياض والشرقية والشمالية    "الغطاء النباتي" يُطلق مبادرة نثر البذور في المزارع الخاصة بحائل .    منافسات قوية في اليوم الثالث من العرض الدولي الثامن لجمال الخيل العربية    كريم بنزيما يُلمّح: العودة للمنتخب الفرنسي ليست مستحيلة!    من أمريكا إلى السعودية..خطة تيباس لإقامة مباراة تاريخية خارج الأراضي الإسبانية    الصين تطلق أقمار صناعية جديدة للإنترنت    محافظ جدة يطّلع على مبادرات جمعية "ابتسم"    بوتين يعلن الاستيلاء على بلدة سيفيرسك الأوكرانية    المملكة ترتقي بجهود التنمية المستدامة عبر 45 اتفاقية ومذكرة تفاهم    ترامب: سنشارك في اجتماع أوكرانيا بشرط وجود فرصة جيدة لإحراز تقدم    الجريمة والعنف والهجرة تتصدر مخاوف العالم في 2025    أسبوع الفرص والمخاطر للسوق السعودي    المرونة والثقة تحرك القطاع الخاص خلال 10 سنوات    مدينون للمرأة بحياتنا كلها    نائب أمير الرياض يعزي أبناء علي بن عبدالرحمن البرغش في وفاة والدهم    نائب أمير جازان يستقبل الدكتور الملا    روضة إكرام تختتم دورتها النسائية المتخصصة بالأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز    طرق ذكية لاستخدام ChatGPT    أمير المدينة المنورة يستقبل تنفيذي حقوق الإنسان في منظمة التعاون الإسلامي    مستشفى الملك فهد الجامعي يعزّز التأهيل السمعي للبالغين    «طبية الداخلية» تقيم ورشتي عمل حول الرعاية الصحية    وسط ضغوط الحرب الأوكرانية.. موسكو تنفي تجنيد إيرانيين وتهاجم أوروبا    زواج يوسف    القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا انهيار مبنيين متجاورين في مدينة فاس    غرفة إسكندراني تعج بالمحبين    أسفرت عن استشهاد 386 فلسطينيًا.. 738 خرقاً لوقف النار من قوات الاحتلال    ترفض الإجراءات الأحادية للمجلس الانتقالي الجنوبي.. السعودية تكثف مساعيها لتهدئة حضرموت    دراسة تكشف دور «الحب» في الحماية من السمنة    استئصال البروستاتا بتقنية الهوليب لمريض سبعيني في الخبر دون شق جراحي    ضمن المشاريع الإستراتيجية لتعزيز الجاهزية القتالية للقوات الملكية.. ولي العهد يرعى حفل افتتاح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    طيور مائية    ولي العهد يفتتح مرافق قاعدة الملك سلمان الجوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكرى الخامسة لانهيار السوق المالية السعودية (2006 – 2011)
نشر في الرياض يوم 01 - 03 - 2011

(26 فبراير 2006م في ذاكرة السعوديين: تتذكر إنجلترا 26 فبراير 1797م أنه اليوم الذي أصدرت فيه أول عملة ورقية في العالم، تمثلت في الجنيه! وتتذكر فرنسا نفس التاريخ من عام 1815م أنه اليوم الذي هرب فيه نابليون بونابرت من منفاه في جزيرة ألبا! وسنتذكر نحن السعوديون في ذات التاريخ من عام 2006م أنه اليوم الذي شهد ضُحاه الانهيار الأكبر في سوق الأسهم، تحطّم فيه سور الحوض المالي العملاق ب 3.1 تريليون ريال!)
تنشيطاً للذاكرة، انتهى الجزء (3) من هذا التقرير الخاص إلى إثارة أسئلةٍ مشروعة حول جدوى أي إدراجات على السوق السعودية، عضدناه بحقيقة مؤداها أن شركاتٍ بوزن (سابك، الراجحي، الاتصالات، موبايلي، سافكو، سامبا، الرياض) وصلتْ مساهمتها في عمق السوق لنحو 24.1 في المئة، أفاءتْ بربحٍ وفير على المكاسب الإجمالية للسوق ناهز ثلاثة أضعاف مساهمتها في عمقه، كأنكَ تقول أن ثلثي مكاسب السوق السنوية خرج من ربع كتلتها الرأسمالية. وبناءً عليه، هل هو محرجٌ جداً أن نكتشف أن نسبة عوائد اكتتابات ما بعد الانهيار التي لم تتجاوز 1.2 في المئة فقط، مقابل مساهمتها في عمق السوق البالغة 37.9 في المئة؟! نعم هو كذلك، وإنكار ذلك جزءٌ لا يتجزأ من ضمان ديمومة تداعيات الانهيار، أمّا الاعتراف به فلا أشكُّ لحظة واحدة أنه أول خطوات السير على الطريق الصحيح لإعادة ما يمكن إعادته من ثقةٍ وجدوى استثمارية لمحيط وعمق سوقنا المالية.
إكمالاً لجواب سؤالنا الفرعي أعلاه، والسؤال الثالث الرئيس (حول أسباب استمرار الانهيار في السوق طوال الخمس سنواتٍ الماضية)، أؤكد أن المفارقات المشار إليها أعلاه (وفيما تمَّ طرحه في الجزء (3) تُشير بوضوحٍ إلى عددٍ غير هيّن من النتائج السلبية على تعاملات السوق؛ لعل من أبرزها وهذه أُمُّ السلبيات أنها قزّمت كثيراً من قامة السوق المالية ممثلةً في ربحيتها، ولم تقفْ عند هذا الحدِّ، بل تراها وقد أفضتْ إلى زيادةْ مفرطة في مستويات المخاطرة المرتبطة بتلك الأصول المدرجة، وماذا تعني تلك الخسائر الرأسمالية في قيمها (الفارق بين سعرها عند الطرح وقيمتها السوقية الراهنة) غير أنها وجهة نظر السوق فيها دون مجاملة أو تسطيح؟! ألم نقل في الجزء (3) من التقرير المنشور بالأمس، إن الخسائر الرأسمالية لتلك الاكتتابات حتى إغلاق الأربعاء الماضي قد وصلتْ إلى 29.3 مليار ريال (بخسارةٍ نسبية بلغت 11.5 في المئة)، ألا فاعلم -رعاك الله- أنها بعد إغلاق الأحد 27 فبراير 2011م قد وصلتْ إلى 42.8 مليار ريال! (أي بخسارةٍ نسبية بلغت 16.7 في المئة). ليس مستغرباً على الإطلاق أن تُفضي تلك النتيجتين فقط عبر السنوات الماضية إلى إضعاف إقبال المستثمرين والسيولة على السوق، وهو ما بدا واضحاً في تناقص أعدادهم واستثماراتهم، إذ انخفض عدد المحافظ النشطة إلى أقل من 90 ألف محفظة مقارنةً بأكثر من 600 ألف محفظة في 2006م، وانخفضتْ قيمة التعاملات السنوية من نحو 5.3 تريليون ريال إلى أن وصلت بالكاد إلى 615 مليار ريال خلال 2010م.
ينبغي التركيز مستقبلاً من قبل هيئة السوق المالية في سياق استراتيجياتها المنظمة للاكتتابات على عددٍ من المحاور البالغة الأهمية، لعل من أبرزها؛ فيما يتعلق بالشركات العاملة التي تُطرح بعلاوات إصدار، أن يؤخذ بعين الاعتبار عدد من العوامل المهمة جداً إضافةً إلى الربحية (كالمديونية، والملاءة، والقدرة على الاستمرار في نشاطها)، وأن لا يُبالغ في سعر طرحها (شكلتْ علاوات الإصدار في الشركات المطروحة بعد فبراير 2006م نحو ثُلثي سعر طرحها)، ويكفي القول إن أسعارها السوقية مقارنة بسعر طرحها حتى إغلاق الأحد 27 فبراير 2011م قد وصلتْ إلى 61.4 مليار ريال (أي بخسارةٍ نسبية بلغت 34.4 في المئة). إنها من جانبٍ أول قد تمَّ المبالغة في تسعيرها عند الطرح بناءً على تقديراتٍ بالغتْ هي أيضاً أثناء تحديد نطاقات أسعار الاكتتاب، ومن جانبٍ ثانٍ وبعد إدراجها في السوق ظهرتْ حقائق الأوضاع الداخلية لتلك الشركات بصورتها الفعلية الخالية من التجميل، والتي كان واجباً نظامياً ولا يزال على جميع الأطراف المسؤولة في نشرة الإصدار (حسبما نصّتْ عليه المادة الخامسة والخمسون من الفصل العاشر "العقوبات والأحكام الجزائية للمخالفات" من نظام السوق المالية) أن يفصحوا عنها، إذ توضح الفقرة (أ) من المادة أنه (إذا تضمنت نشرة الإصدار عند اعتمادها من قبل الهيئة، بيانات غير صحيحة بشأن أمور جوهرية، أو أغفلت ذكر حقائق جوهرية يتعين بيانها في النشرة، فانه يحق للشخص الذي اشترى الورقة المالية موضوع النشرة أن يحصل على تعويض عما لحق به من ضرر نتيجة ذلك. ويعد البيان أو الإغفال جوهرياً لأغراض هذه الفقرة إذا أقيم الدليل أمام اللجنة على أنه لو كان المستثمر على علم بالحقيقة عندما قام بالشراء لأثر ذلك على سعر الشراء). فهي تحمّل المسؤولية كلاً من المؤسس (البائع) والمكتتب (المشتري)، فالأول مسؤول بالكامل عن كل ما ورد في النشرة، والآخر مسؤول عن قراءة كل ما في النشرة قبل قرار الاكتتاب.
تُشير بيانات الاكتتابات ذات العلاوة عند الإصدار حتى إغلاق 27 فبراير 2011م، إلى أن 28 شركة باع مؤسسيها ما متوسطه 14.6 في المئة من إجمالي أسهمهم فيها، مقابل قيمة إجمالية بلغت 36 مليار ريال، بلغت قيمة علاوات الإصدار ضمنها نحو 21.8 مليار ريال! أي ما نسبته 60.4 في المئة من إجمالي القيمة المدفوعة. وبالنظرِ إلى متحصلات تلك الاكتتابات، فسنجد أنها توزّعت على النحو الآتي: 22 شركة دُفعت المتحصلات لصالح المساهمين البائعين (متوسط علاوة الإصدار بلغ 40.4 ريال للسهم)، 5 شركات دُفعت لصالح الشركة (متوسط علاوة الإصدار بلغ 9.6 ريال للسهم)، شركة واحدة فقط تقاسم فيها المساهمين البائعين والشركة تلك المتحصلات 50 في المئة لكل طرف (متوسط علاوة الإصدار بلغ 32 ريال للسهم). وبعدئذ؛ أُثيرتْ الكثير من الأسئلة والنقاشات الساخنة حول تلك الاكتتابات تحديداً، كان من أكثرها تكراراً وحيرة: هل كانتْ تلك العلاوات مبالغٌ فيها؟ وهل أحدثتْ طريقة بناء سجّل الأوامر تغييراً مهماً في تحديد سعر الطرح، وبما يجعله أكثر عدالةً في التسعير؟ وأين هو الخلل إن وجد في طريقة بناء سجّل الأوامر؟ وما الآثار التي تركتها تلك النوعية من الاكتتابات على كل من السوق والمتعاملين، هل كانت إيجابية أم سلبية أم مزيجاً منهما؟ إن وضع إجابةً وافية ودقيقة بصورةٍ مباشرة على تلك الأسئلة المحورية، كفيلٌ بأن يقدّم لنا تقييماً موضوعياً للتجربة بحياديةٍ أعلى، ومن ثم سيصبح أمراً ممكناً أن نكتشف الخلل أين هو، ومن ثم سيسهل علينا تصويبه ضمن حزمة المحاور المشار إليها أعلاه لمعالجة نقاط الخلل تلك (أنظر الجدولين رقم (1) ورقم (2)).
(1) بمقارنة متوسط علاوات الإصدار حسب التبويب أعلاه، القائم على اتجاه متحصلات الاكتتاب (المساهمين البائعين، الشركة، الجهتين معاً)، سنجد أن علاوة الإصدار التي اتجهت بالكامل إلى المساهمين البائعين (تراوحت بالنسبة لتلك الشريحة في المتوسط بين 12 و 100 ريال للسهم) سجّلت نسبة زيادة فيها عن تلك التي استلمتها الشركة بنحو 321 في المئة (تراوحت علاوة الإصدار بالنسبة للشركات المستلمة في المتوسط بين 2 و 15 ريال للسهم).
(2) أيضاً بالمقارنة بين مستويات الأرباح المتحققة ومعدلات نموها إبّان مرحلة الطرح (كانتْ أهم الأسس المبني عليها سعر الطرح)، ومستويات أرباحها ومعدلات نموها لاحقاً بعد مرور فترة من الزمن على إدراجها، فستُظهر مقارنةً بسيطة لعينة تضم 20 شركة من الشركات أعلاه (باستبعاد المملكة القابضة التي خسرت فقط عام 2008م نحو 30 مليار ريال) لفترة 3 سنوات متتالية أنها انخفضت بأكثر من 27 في المئة!
(3) أما إذا قمت بالمقارنة بين الأرباح ومعدلات النمو المتوقعة مستقبلاً التي تضمنتها (نشرات الإصدار)، وما تحقق فعلياً خلال نفس الفترة التي قدّرت أرباحها نشرة الإصدار فستجد دون شكٍّ أن الفارق أكبر بكثير، وليته يتوقف عند مستوى انخفاض 27 في المئة. إذاً وفقاً لهذه المقارنة البسيطة ستكتشف مبالغاتٍ كبيرة في علاوة الإصدار، وإن لم يكن ذلك كافياً لدى البعض، فقد يكون كافياً ومقنعاً تماماً بالنسبة لهم، أن الاحتكام إلى ما نصّتْ عليه المادة الخامسة والخمسون من الفصل العاشر "العقوبات والأحكام الجزائية للمخالفات" من نظام السوق المالية، قد يكون هو الفيصل في الحكم: (إذا تضمنت نشرة الإصدار عند اعتمادها من قبل الهيئة، بيانات غير صحيحة بشأن أمور جوهرية، أو أغفلت ذكر حقائق جوهرية يتعين بيانها في النشرة، فانه يحق للشخص الذي اشترى الورقة المالية موضوع النشرة أن يحصل على تعويض عما لحق به من ضرر نتيجة ذلك)؟!
يأتي الآن دور السؤال التالي: هل أحدثتْ طريقة بناء سجّل الأوامر تغييراً مهماً في تحديد سعر الطرح، وبما يجعله أكثر عدالةً في التسعير؟ بالنظرِ إلى الفارق النسبي بين متوسطي علاوات إصدار كلا الطريقتين، سنجد أن الانخفاض الذي أحدثته طريقة سجل بناء الأوامر لم يتجاوز 20 في المئة، وذلك للشركات التي يستلم كامل متحصلات الاكتتاب فيها المساهمين البائعين، إذ انخفض متوسط علاوة الإصدار وفقاً لتلك الطريقة إلى نحو 35 ريالا للسهم، مقارنةً بنحو 44 ريالا للسهم وفقاً للطريقة القديمة القائمة على تحديد سعر الاكتتاب! كما أن الزيادة النسبية فيها بالمقارنة مع أسعار طرح الشركات التي تُدفع كامل متحصلاتها للشركات نفسها لا تزال مرتفعةٌ جداً، حيث وصلت الزيادة إلى 277 في المئة، إذ بلغ متوسط علاوة الإصدار فيها بعد تطبيق طريقة بناء سجّل الأوامر إلى 9.3 ريال للسهم، مقارنةً بنحو 11 ريال للسهم وفقاً للطريقة القديمة (تحديد سعر الطرح)، ومن ثم يمكن القول أن تأثير تغيير الطريقة لم يُحدث تغييراً ملموساً يمكن معه الحكم بتحقيق العدالة في التسعير، أو تخفيض المبالغة في التسعير عند الطرح.
وبعد؛ أين هو الخلل إن وجد في طريقة بناء سجّل الأوامر؟ وما الآثار التي تركتها تلك النوعية من الاكتتابات على كل من السوق والمتعاملين، هل كانت إيجابية أم سلبية أم مزيجاً منهما؟ سأُجيب باختصار؛ أعتقد أن الخلل الجوهري في هذه العملية برمتها هو (عدم وجود ما يُلزم المتعهد بالتغطية بأن يشتري ما لم يتم تغطيته بالاكتتاب)، ولا يقف الحد عند هذه الثغرة النظامية الخطيرة، بل قد يتجاوزه أحياناً برفع سقف الحدود القصوى للاكتتاب في الساعات الأخيرة من فترة الاكتتاب، وذلك لإنقاذ المتعهد بالتغطية من الوفاء بما هو واجب عليه وفقاً لمسؤولياته النظامية، وهو (مثل هذا التصرّف الاستثنائي) ما قد ينطوي على الكثير من المخالفات النظامية التي قد يجرّمها نظام مراقبة البنوك أو نظام السوق المالية، إنه الخلل الجوهري الذي لو علم المتعهد بالتغطية أنه لن يجد من يتدخل استثنائياً لإنقاذه، لأعاد ترتيباته بصورةٍ تختلف جذرياً تجاه عملية الاكتتاب برمتها، وتحديداً (سعر الاكتتاب) الذي سيتأكد عليه نظامياً الالتزام بدفع قيمة أي حصص مطروحة للاكتتاب ولم يتم تغطيتها! أما الآثار التي تركها (إحباط) الكلي والتراكمي لكل ما تقدّم ذكره أعلاه، فلا أجد في رأيي أخطر آثاراً على السوق من حرمانها من استضافة وإدراج الشركات المساهمة المجدية استثمارياً، والشركات العائلية العريقة تاريخاً والمتينة مالياً والجيدة السمعة تجارياً، في مقابل تدافع عدداً من الشركات –دون تعميم- لتُدرج في السوق بأعلى الأثمان، وهي التي أوشكتْ على الهلاك أو التوقف عن العمل، ما يمكن وصف (عملية الاكتتاب) برمتها أنها لا تتعدى كونها (عملية تخارج) من المساهمين المؤسسين! وهو ما حقق فعلياً في السوق المحلية المبدأ الاقتصادي –بكل أسف- (السلعة الرديئة تطرد السلعة الجيدة)، طبعاً هذا ألحق الضرر بأسعار الشركات الجيدة استثمارياً، وألحق الضرر بثقة المتعاملين، حتى وصل بهم الإحباط أن حتى الشركات التي تُطرح بدون علاوة إصدار (10 ريال للسهم) سجلتْ مستويات أقل منه في اليوم الثاني من التداول!
لعله من المفيد أن أذكّر هنا بعد ما تقدّم من (فحصٍ) دقيق للاكتتابات، أنه ليس إلا تحقيقاً لما وضعنا حوله من تساؤلاتٍ في مطلع الجزء (3) من هذا التقرير؛ حول المحورين الرئيسين الذين دأبتْ هيئة السوق المالية على تسيير عملها التنظيمي تجاه السوق. تمثل المحور الأول في: زيادة عدد الشركات المساهمة المدرجة، بهدف زيادة الخيارات الاستثمارية (زيادة العرض)، على افتراض أنها في الأجل الطويل ستكون التعويض الأنسب لأكثر من 2 تريليون ريال فقدتها السوق المالية.
تبقّى لدينا المحور الثاني في : تقليص المساحة المتاحة للمستثمرين الأفراد، ومحاولة استبدال مواقعهم في السوق بالمزيد من المستثمرين المؤسساتيين ممثلاً في الشركات الاستثمارية المرخصة. وعليه، يمكن القول إن خيبة النتائج التي تحققتْ على طريق المحور الأول، ساهمتْ بصورةٍ مباشرة وغير مباشرة في إلحاق الفشل بجهود الهدف أو المحور الثاني، فأمام تلك الخسائر الفادحة التي ساهمتْ في تحقيقها تلك الخيارات غير المجدية استثمارياً، لم يكن بإمكان أي من الشركات الاستثمارية من خلال منتجاتها المتنوعة أن تحظى بقناعة المجتمع الاستثماري، لذا أظهرتْ الإحصاءات استمرار ضعف وضآلة تلك الاستثمارات المؤسساتية شهراً بعد شهر طوال الفترة الماضية، ما يؤكد على تأثرها السلبي بما جرى ويجري في السوق المالية مما تمّتْ الإشارة إليه فيما تقدّم. إذاً كما يبدو أن المحورين اصطدما بالكثير من الصعوبات، وتعذّر أو فشل تحققهما، نتيجةٌ كهذه تستدعي ضرورة مراجعة كامل الإستراتيجيات القائمة، رغم أنه كان من الواجب القيام بذلك بصفةٍ دورية، على أقل تقدير مرةً كل عام، وفي حال قيل لنا أن هذا بالفعل ما يجري داخل أروقة هيئة السوق المالية! فلا شك ونحن في مواجهة هذه الخيبة المطبقة تقريباً على أغلب النتائج المستهدفة، أن حتى آلية هذه المراجعة يعتريها هي أيضاً الضعف وعدم الكفاءة (أنظر الرسمين البيانيين رقم (1) ورقم (2)).
إن إعادة السوق المالية السعودية إلى الطريق القويم، الذي يعكس حقيقة الأرض الصلبة التي يقفُ عليها الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى، والذي يفتح المجال أمام استثمار الفرص المجدية محلياً بالدرجة الثانية، يؤمل معها اجتذاب المدخرات الوطنية بصفةٍ أساسية، وضخّها في الخيارات الاستثمارية المدرجة في السوق المالية، وفق اعتباراتٍ اقتصادية ومالية معقولة العوائد أو أكبر من ذلك، وضمن مستوياتٍ من المخاطرة أدنى مما هو قائمٌ الآن في السوق، كل ذلك يتطلب الاعتماد على سياساتٍ وبرامجٍ تختلف عمّا هو معمولٌ به في الوقت الراهن، سنحاول معاً تحديدها في الجزء الأخير من هذا التقرير .
* عضو جمعية الاقتصاد السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.