(هوّ عادْ فيه حبْ..؟) مفردة دارجة جدّا بكل ما فيها من عفوية وتلقائية وإيمان مطلق بمضمون هذا السؤال الإنكاري.. ترسم كثيرا من الحزن والانكسار الإنساني.. حينما بدأنا بكل هذه العادية ننفي وجود هذه القيمة الوجودية العظيمة في حياتنا المعاصرة، وننسب كل شعورٍ صادق فيها إلى ما مضى.. وكأننا ندرك ضمنيا أن هذه الثورة العلمية التي انطلقت بسرعة فائقة قد انخلعت كذلك عن وجدانياتنا وقيمنا، بعد أن انخلعت عن الفلسفة والإيدولوجيات التي لازمتها في كل العصور السابقة، وهو شعور خانق يتحوّل فيه الإنسان إلى مجرّد آلة يرتبط وجودها بتسيير عجلة الحياة الرأس مالية المعاصرة، من دون أن يلتفت إلى وجدانياته ومشاعره التي تلوّثت هي الأخرى بالمادة ودخلت في مصرف المصالح المتبادلة، كعملةٍ قابلةٍ للتزييف والتزوير والمداولة، وإذا كان الفنّ ممثلا بالدراما قد تنبّه لهذه الهوّة الإنسانية الخطيرة، وحاول دائمًا أن يردمها بحكايات ذاتية واجتماعية، تسلّط الضوء على قصصٍ عاطفيةٍ صادقة تتخلّق داخل هذا الزيف، أبدع في صياغتها وترسيخها مبدعون بأطياف متعددة على مستوى التأليف والسيناريو والتمثيل والإخراج، وجلّهم ينتمون إلى مجتمعاتٍ يشاع عنها جفوتها وغلظتها على مستوى المشاعر الحياتية، كما هو الحال في المسلسلات التركية، أو المسلسلات الكورية التي استحوذت على اهتمام الشباب الباحثين عن حب الأجداد وحكاياتهم في واقعهم المعاصر، إلا أنها لاتزال رهينة التخييل والتمثيل والنمْذجة على كل حال، لكن في المقابل نجحت الرياضة وتحديدًا ما يعرف فيها ب (التشجيع) بأن تشكّل الملمح الأبرز في حالات الحب الخالصة. قبل أيامٍ هاتفت صديق شاب مقرّبٍ لي بادرته بقولي: (مبارك عليك لقاء حبيبك الليلة) وكنت أعني وجود مباراة للفريق الذي يحبه بصورة جنونية منقولة على التلفاز بعد توقف للمنافسات الرياضية المحلية دام لأكثر من خمسين يوما غاب فريقه فيها عن عينيه وكان يحدثني كل ليلة عن اشتياقه له. إذا التشجيع هو ما تبقّى من الحب في هذا العصر، وهو حالة عشق غريبة وعجيبة لا تخضع للمنطق ولا للتفسير ولا للجدال تبلغ ذروتها بالتعصّب المقيت والمفجع الذي بإمكانه أن يجرف كل شيء عقلي ومنطقي في طريقه. لكنه على كل حال يظل ملمحًا اجتماعيا عاطفيّا مهمًا يمكن توجيهه وتهذيبه من قبل اختصاصيِّ علماء الاجتماع وعلماء النفس، ليكون التشجيع حالة وحيدة متبقية ونادرة يمكننا من خلالها أن نتحسس واقعنا وندرك حينها أننا لانزال بمشاعر صادقة حقيقية يمكن إشاعتها والخوض فيها حتى وإن كانت معلقة بكرةٍ من هواء وشبكةٍ لا يحرسها غير واحدٍ منا.!