مدير منظمة الصحة العالمية: وضع غزة كارثي ومليونا شخص يعانون من الجوع    نائب أمير المنطقة الشرقية يرعى تخريج الدفعة 46 من طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل    أمير المدينة المنورة يرعى حفل تخريج الدفعة السابعة من طلاب وطالبات جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من إندونيسيا    تهريب النمل    أرقام آسيوية تسبق نهائي الأهلي وكاواساكي    نظام جديد للتنبؤ بالعواصف    المطابخ الخيرية بغزة مهددة بالتوقف    الذكاء الاصطناعي يحسم مستقبل السباق بين أميركا والصين    ماجد الجمعان : النصر سيحقق «نخبة آسيا» الموسم المقبل    الفتح يتغلب على الشباب بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    تشكيل الأهلي المتوقع أمام كاوساكي في نهائي دوري أبطال أسيا    رؤية 2030.. خطى ثابتة وطموح متجدد    لولوة الحمود : المملكة تعيش نهضة تشكيلية برؤية أصيلة ملتزمة    الإعلام السعودي يضبط البوصلة    عبدالله اليابس.. رحّالة العِلم    الأطفال الأكثر سعادة في العالم.. سر التربية الدنماركية    تضاعف حجم الاستثمار الدوائي في السوق المحلي    تراجع الديمقراطية في أمريكا يهدد صورتها الدولية    عبدالعزيز بن سعود يدشن عددًا من المشروعات التابعة لوزارة الداخلية بمنطقة القصيم    الوحدة يقلب الطاولة على الأخدود بثنائية في دوري روشن للمحترفين    الصيام المتقطع علاج أم موضة    تأثير تناول الأطعمة فائقة المعالجة    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام تسعير طرحه لصكوك بقيمة 1.25 مليار دولار    القبض على 5 إثيوبيين في جازان لتهريبهم 306 كجم "قات"    مجاهد الحكمي يتخرج بدرجة البكالوريوس في الصحة العامة    صافرة قطرية تضبط نهائي النخبة الآسيوية    أمانة الشرقية تفعل اليوم العالمي للتراث بالظهران    تسع سنوات من التحول والإنجازات    سكرتير الأديان في بوينس آيرس: المملكة نموذج عالمي في التسامح والاعتدال    تكريم 26 فائزاً في حفل جائزة المحتوى المحلي بنسختها الثالثة تحت شعار "نحتفي بإسهامك"    ارتفاع معدلات اضطراب التوحد في الأحساء    انخفاض وفيات حوادث الطرق 57 %    يوسف إلى القفص الذهبي    خلال جلسات الاستماع أمام محكمة العدل الدولية.. إندونيسيا وروسيا تفضحان الاحتلال.. وأمريكا تشكك في الأونروا    عدوان لا يتوقف وسلاح لا يُسلم.. لبنان بين فكّي إسرائيل و»حزب الله»    بريطانيا تنضم للهجمات على الحوثيين لحماية الملاحة البحرية    الجبير ووزير خارجية البيرو يبحثان تعزيز العلاقات    إطلاق 22 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في متنزه البيضاء    845 مليون ريال إيرادات تذاكر السينما في السعودية خلال عام    الحميري ينثر إبداعه في سماء الشرقية    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    مدير الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من «طريق مكة»    حراسة القلب    بتوجيه من أمير منطقة مكة المكرمة.. سعود بن مشعل يستعرض خطط الجهات المشاركة في الحج    شارك في اجتماع "الصناعي الخليجي".. الخريف يبحث في الكويت تعزيز الشراكة الاقتصادية    أمير الشرقية يثمن جهود الموارد في إطلاق 6 فرص تنموية    جمعية الزهايمر تستقبل خبيرة أممية لبحث جودة الحياة لكبار السن    العلا تستقبل 286 ألف سائح خلال عام    جامعة الملك سعود تسجل براءة اختراع طبية عالمية    مؤتمر عالمي لأمراض الدم ينطلق في القطيف    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    واشنطن تبرر الحصار الإسرائيلي وتغض الطرف عن انهيار غزة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    "مبادرة طريق مكة" تنطلق رحلتها الأولى من كراتشي    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    نائب أمير مكة يطلع على التقرير السنوي لمحافظة الطائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بساطته... سر عظمته!!
نشر في الرياض يوم 25 - 08 - 2010

الخبر الحزين المفاجئ نزل عليّ كالصاعقة المدوية، برحيل الصديق الغالي الأخ معالي الدكتور غازي القصيبي عن هذه الدنيا الزائلة، ذهول، ارتباك، سرحان، فقدان كامل للتوازن، لابد من التأكد عن المعلومة، الوقت يمر سريعاً، اتصلت بالوالدة - حفظها الله - مبلغاً بتأخر زيارتي اليومية تبعاً للفاجعة الأليمة، فبكت وأبكتني معها، ولم استطع اكمال المكالمة، لحظات محدودة لأجد نفسي متوجهاً للجامع في الديرة للصلاة على الراحل الكبير، حيث دعا له سماحة المفتي ب«الرحمة، المغفرة، والجنة» ومن ثم مرافقته لمثواه الأخير في العود.
هول الفاجعة الأكبر بعدم رؤيته في أيامه الأخيرة، أفقدني القدرة على التعبير والتركيز، لا أدري كيف ابدأ الحديث عن علاقتي بأبي يارا، أحاول النظر والتمعن في الذكريات الراسخة عن تلك القامة الشامخة، كشموخ النخلة العربية العريقة، والتي تحتضن شخصية فريدة، بل مجموعة شخصيات في واحدة، «أكاديمي، سياسي، اداري، أديب، شاعر، كاتب، روائي».
وأتذكر جيداً مقابلتي لمعاليه للمرة الأولى في وزارة الصناعة والكهرباء، حينما كنت طالباً في الجامعة، ومندوباً إعلامياً، اكتشفت حينها انني أمام شخصية إنسانية متميزة إلى أبعد الحدود، أهم ملامحها التواضع، البساطة، الأناقة، الجاذبية، الجدية، الوضوح، الاحترافية، الاستنتاج والمقارنة، النقد الذاتي، وكل ذلك مقرون غالباً بابتسامة ذكية مشرقة.
وكانت أمامه مجموعة من التحديات المركبة، فمثلاً كانت الكهرباء مشكلة مزمنة، والانقطاع شبه يومي للتيار في مدينة الرياض والمدن الرئيسية الأخرى، عمل وكافح للبناء العاجل لعدد من المحطات الكبرى لتوليد الطاقة الكهربائية وبكفاءة عالية، وأسس المؤسسة العامة للكهرباء.
وقد رافقته لافتتاح مصانع ومدن ومراكز صناعية، ويأتي في مقدمتها توقيع عقود المشاريع الصناعية في الجبيل وينبع، وكانت المدينتان عبارة عن صحراء قاحلة، ولاحقاً وخلال سنوات محدودة تشكلت كمراكز صناعية مهمة ومتخصصة، وتبعاً لذلك تطورت شركة سابك لتصبح من أكبر الشركات العملاقة المنتجة للبتروكيماويات في العالم.
وعندما عمل وزيراً للصحة بالنيابة حاول بجهده المكثف والدؤوب معرفة مواطن الخلل، وطبق اجراءات حيوية وشاملة، ونفذ خطة تطويرية للمستشفيات، وأسس مراكز طبية في المناطق المختلفة، كما قام بجولات ميدانية «غير معلنة مسبقا» للنظر عن كثب للخدمات المقدمة ومشاكل المواطنين.
وخلال فترة طويلة، ابتعد فيها عن العمل الحكومي، عمل فيها سفيراً في البحرين وبريطانيا، كان فيها دبلوماسياً بارزاً، ثم عاد للعمل ولفترة وجيزة كوزير للماء والكهرباء، وأخيراً وزيراً للعمل، حيث حاول تلمس المشكلات التي يعاني منها سوق العمل، وما يتعلق بالمواطنين الباحثين عن العمل وخاصة الشباب والشابات، أطلق «حملة توطين الوظائف» ، تجاوب معها عدد محدود جداً من الشركات، حيث قدم رجال الأعمال مصالحهم المادية الشخصية على المصلحة الوطنية!!
ومما تجدر الإشارة إليه هنا، ان أهم ما تميز به هو قدرته الفائقة على «ادارة الوقت»، وخاصة ما يتعلق بالمواعيد الدقيقة المحددة، وبذلك استطاع وبنجاح أن ينفذ برنامجه اليومي موزعاً بين الجانبين الرسمي والخاص.
فقد سخر حياته لخدمة الوطن والمواطنين من خلال المهام المتعددة التي شغلها، وكانت له الريادة المشهودة في جيل متميز وضع أمامه هدفاً واضحاً يتمثل في تنمية الوطن والمواطن، التخطيط السليم، واستشراف المستقبل.
واضاف لأعماله الرسمية المتعددة والمتزايدة، فقد شارك مشاركات ايجابية وفعالة ضمن الوفود الوطنية في المؤتمرات المحلية، الاقليمية والدولية، ساعده في ذلك تأهيله العالي وتجاربه المتراكمة في العلاقات الدولية، ورغم أن وقته الخاص كان محدوداً جداً، فقد استثمره في انتاج أدبي وفكري متميز غزير شمل المقالات، الكتب، الدواوين الشعرية والروايات.
وهناك جانب مهم جداً في حياته يتمثل في حرصه الشديد الدائم على أعمال الخير، وكان يوزع راتبه على الموظفين المحتاجين، كما ساهم مساهمة فعالة في تأسيس ودعم عدد من الجمعيات الخيرية والمهتمة بذوي الاحتياجات الخاصة.
والآن وقد فجعت الأمة برحيل رائد من روادها وأبطالها العظماء، وفي شهر رمضان المبارك، المطلوب تخليد ذكراه بتسمية مركز للبحوث الجامعية، والدراسة العلمية لمؤلفاته المختلفة ليستفيد منها الوطن والأجيال، واطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسة بمدينة الرياض، التي عمل فيها وأحبها ونظم فيها.
لقد كانت عظمته في بساطته، وطموحاته ليس لها حدود، وبالتأكيد سأحتاج ولفترة طويلة للافاقة من هول الصدمة، وسأتذكر دوماً تلك اللقاءات واللحظات الخالدة التي جمعتنا خلال العقود الثلاثة الماضية، وسأفتقد الصوت الهادئ المعبر الواضح، والانصات لنبرة صوته المؤثرة وهو يلقي قصائده الشعرية، كما لا أنسى نظرته الثاقبة للأمور، والتي تعلمت منها الكثير والكثير، وأورد هنا مقولة «حلمك بالوصول إلى القمر، فإن لم تتمكن لا تقلق، فإنك ستسقط بين النجوم»، والحقيقة انه لم يرحل عنا، فقد انتقل مؤكداً لعالم الخلود.
أبا يارا رحمك الله رحمة واسعة، وأدخلك فسيح جناته، لقد عشت عظيماً متميزاً، وتركت هذه الحياة الفانية وأنت كذلك، وهنا لا أملك في لحظات أليمة، قاسية وصعبة، إلا أن أتقدم لأبنائك يارا، سهيل، فارس، نجاد وأم يارا، وأسرة القصيبي جميعاً، بالتعازي القلبية الحارة الصادقة، وأرجو لهم من الله العلي القدير الصبر والسلوان.
(إنا لله وإنا إليه راجعون).
* مستشار
إعلامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.