الدكتور "فريدريك إيمونز تيرمان" (Frederick E. Terman) عمل مديرًا لجامعة ستانفورد بأمريكا للفترة من 1955-1965م، واستطاع أن يصعد بها ليجعلها جامعة عالمية في فترة قياسية قصيرة. ولعله من المناسب أن نتعرف على هذه الشخصية القيادية المتميزة وعلى المنهج المتبع في القيادة الناجحة. عندما تأسست جامعة ستانفورد عام 1891، كان هناك بعض الجامعات الخاصة في غرب المسيسبي، ثم أصبحت جامعة جيدة خلال عدة عقود من تأسيسها، لكن على مدى عدة أجيال عُرفت بجودتها الكبيرة في برامج الدراسات الجامعية، ولم تُصنَّف من بين مراكز العالم العظيمة في التعليم العالي، ولم تُصنف أيضًا بين أفضل اثنتي عشرة جامعة في البلاد في عام 1925. في الحقيقة كانت متراجعة عن الجامعات العامة والخاصة العظيمة في مجالات معرفية كثيرة. أما اليوم فإنها تُصنّف ضمن أفضل خمس جامعات في أمريكا، وقد صنّفها الصينيون لتكون الجامعة الثانية في العالم. يؤكد جوناثان كول بأن نسبة جانب كبير من نجاح "ستانفورد" يعود إلى القيادة الرائعة للثنائي: الرئيس "والاس سترلينج" (Wallace Sterling) أو "والي" (Wally)؛ وإلى "تيرمان" الذي عمل معه. لقد احترم أحدهما الآخر كثيرًا، ووثق كل منهما بالآخر، وتعاونا معًا في العمل، لكن من دون شك أوصلت الرؤية الجريئة ل"تيرمان" المبدع جامعة "ستانفورد" إلى ما هي عليه من مكانة. فقد كان هو العقل الاستراتيجي الذي استطاع أن ينقل الجامعة إلى وضع جديد تمامًا في هرم مؤسسات التعليم الكبيرة. وكانت لديه القدرة على استخدام تاريخه الشخصي وتجاربه الأكاديمية وشبكات العلاقة الاجتماعية ليساعد الجامعة كي تحقق مكانة مرموقة. لا يمكن التقليل من الأهمية الفردية ل "سترلينج" وهو الحاصل على درجة الدكتوراة في التاريخ من "ستانفورد"، وقد عمل مديرًا لمكتبة "هنتنجتون". ولا يمكن تجاهل الأدوار التي أداها عمداء "ستانفورد" ورؤساء أقسامها؛ لكن "تيرمان" هو الذي يستحق الاهتمام الأكبر إذا ما أردنا أن نعرف كيف نؤسس جامعة بارزة. قال "سترلينج" مرة إنه حقق مكسبًا كبيرًا عندما وافق على تعيين "تيرمان" في إدارة الجامعة. ثم أصبح الأسلوب الذي عمل من خلاله هذان الإداريان أنموذجًا للتقسيم الفعال للعمل بين المدير والرئيس. وتعرض قصتهما كيف تعمل الشبكات الاجتماعية والفكرية والسياسية والتجارية في عملية البناء، وكيف يُكمل المدير القويّ، وهو الرئيس الأكاديمي للجامعة، عملَ الرئيس النشيط في إدارة منظمة جامعة البحث الحديثة المعقدة والمتوسعة بصورة سريعة ومتزايدة. من الواضح أنه في عالم جامعات البحث، كما في كل مكان، ثمة شبكات موسّعة ومتشابكة من العلاقات بين الناس الذين يصبحون شخصيات قوية ضمن مؤسساتهم وعلى المستوى الوطني؛ فقد قدمت شبكات العلاقات الاجتماعية فرصًا ل "تيرمان" ستؤثر كثيرًا في مسار مهنته. ولأنه تلميذ الدكتور "فانيفار بوش" الذي وظفه معه أثناء الدراسة في "معهد البث اللاسلكي" (التابع لمعهد ماساشوستس التقني قبل انتقاله إلى هارفارد)، فقد استفاد من تجربة أستاذه وعلاقاته. واستثمر الصداقات التي أقامها مع الطلاب الجامعيين الذين سيصبحون فيما بعد إداريين في "ستانفورد"، وسيكون لتجارب "تيرمان" في العمل مع هؤلاء الناس وملاحظة عاداتهم وقيمهم وأساليبهم أثر كبير في كيفية تكوين مفهوم عن تطوير ستانفورد. (وهو ما سيأتي لاحقا)