ستذهل لو قلت لك إن صدام حسين كان هو الأفضل بين من كانوا حوله.. وإنه كان يمكن أن يكون أفضل وأفضل لو أن أولئك الذين كانوا حوله أفضل منه.. ما كتب عن صدام حسين لا أعتقد أنه كافياً.. سيكتب الكثير عن خبايا وملامح لنظام انهار لكن مازالت أطيافه باقية.. ما هي محرضات صدام.. كيف هي علاقاته الأسرية.. من هم الذين حوله؟ هل اكتفى بتنظيم الولاء الشعبي بواسطة الحرس الخاص على الولاء الاجتماعي.. لماذا..؟.. أعتقد أن مفصل الأحداث في حياته نجاحاً وفشلاً إنما يتركز في النوعية الغريبة لأولئك الذين كانوا حوله بما في ذلك أفراد أسرته.. لقد اغترف صدام من قاع المجتمع في العوجة وتكريت أشخاصاً معوزين، دون ثقافة، ومكنهم من أن يتمثل سخطهم على حياة ترف غيرهم من قبل على شكل تسلط عابث وجنوني لكل ما حدث فيما بعد.. لم أنشأ في بيئة أرستوقراطية وبدأت في عملي بمرتب أربعمائة ريال ولم أحصل على مرتب مرموق إلا بعد أكثر من ثلاثين عاماً وقبلها على الأقل خمس سنوات كمتدرج في عالم الصحافة.. إن الذين يصلون سريعاً في معظمهم إلى الشهرة أو المركز المرموق حتى و لو حملوا الدكتوراه يتحولون إلى وحوش شهية الافتراس للمال والمناصب.. على مستوى الدول لا نستطيع أن نقول عن الضباط الأحرار وأتباعهم في مصر إنهم كانوا أكثر عفافاً ونزاهة من أفراد الأسر الأرستوقراطية قبل الثورة.. لقد كان عبدالناصر رجلاً نزيهاً بذاته لكن الذين حوله افترسوا معظم الأشياء بدءاً بالممثلات والمطربات ووصولاً إلى شقق الآخرين السكنية.. لا تقل إن بلير وقبله تاتشر لم يأتيا من طبقة أرستوقراطية ومثلهما كلينتون.. أعرف أنهم أتوا من الصفر لكنهم تعلموا وتوظفوا ومارسوا طموحهم في مجتمعات ذات ثقافة اجتماعية واعية ونظم حماية للحقوق من الصعب اختراقها حيث في حين نجد الفئات الأرستوقراطية في المجتمعات النامية والعربية خصوصاً تستأثر بفرص الثراء الكبرى وهذا غير سليم نجد أن من يصعد من البيئات الشعبية الفقيرة ليكون بعضاً من إطارات الحكم أو ناجحاً فجائياً في مجتمعات غنية لا يمارس الاستئثار فقط، ولكنه يتصرف بفوضوية نهب مقززة.. وكلا الفئتين حين ينحرفان.. يفعلان ذلك في ظل غياب وجود وعي ثقافة اجتماعية رادعة وأنظمة حماية حقوق صارمة.. صدام ارتفع بعزة الدوري وطه ياسين رمضان وعلي حسن المجيد وطارق عزيز وابراهيم علاوي وخير الله طلفاح وهم عينة لفئات اعتلت قيادات الوزارات والأمن والمباحث و حرسه الخاص جميعهم غير مؤهلين ليكونوا أركاناً محكمة أو بيئة رأي يتبادل معهم المشورة. إن فئات تتجاوز المئات إلى الآلاف قد خرجت من القاع لتنهب معظم ما هو فوق السطح سواء كان ذلك وجوداً مادياً أو قراراً يمس حياة الآخرين.. هؤلاء في زمن الحصار الاقتصادي لم يتأثروا بشيء في حين اعتبرت علبة مساحيق لا يتجاوز ثمنها الدولارين أغلى سعر لداعرة مارست الانحراف لعلاج أم على حافة الموت أو إرضاع طفل يكاد يقتله الموت.. ولأن صدام كان الأفضل نسبياً فقد كان يعاقبهم ويحاول ستر ما هو مستحيل من تصرفاتهم وبالذات ابنه عدي الذي لم يعجبه أن يوقع كاظم الساهر على أتوجرافات بنات في حفل غنائي راقص أقامه في أحد منازله وأنديته فما كان منه فجراً إلا أن جعل كاظم الساهر يوقع مرغماً على أحذية الرجال الحاضرين.. الحماقة وسوء تقدير الأمور سيطرت على التصرفات وأدت إلى الدمار أو الموت لمن مارسها وشكلت رابطاً نفسياً وسلوكياً بين معظم الأطراف، فصدام مثلاً الذي رفض أن يخرج من الكويت إلابحرب كان بمقدوره أن يتلافاها لو قبل بالوساطات، فدمر جيش العراق ،واقتصادياته، نجده يرفض الخروج سالماً بعد محاصرته رغم الفقر عسكرياً واقتصادياً يقبل أن ينهار ويقبض عليه . نفس الحماقة مارسها وطبان وسبعاوي من أشقائه مما جعلهم يتهاوون من السلطة والأشنع ما تصرف به كامل حسين المجيد وشقيقه صدام وهما زوجا ابنتي الرئيس كيف يهربان ويشنعان بالنظام ويمهدان لاتهامه بحيازة السلاح النووي وهما يعلمان مدى فسادهما الشخصي خصوصاً حسين كامل ومع ذلك يعودان وتتم تصفيتهما بواسطة الخال الغاضب بإيعاز من جد الأبناء الأكثر غضباً.. أليس هذا كله خليط من جهل وسطحية تمتع بها أشخاص حكموا أكثر الدول العربية امتلاءً بمصادر الثروة؟..