ابن زيدون شاعر أندلسي اشتهر بشعره في الغزل وخاصة ما نظمه من شعر في ولادة بنت المستكفي وهو يضاهي شعراء المشرق في رواء شعره وجزالته في نفس الوقت ، وخاصة البحتري ، وله هذه القصيدة في الحكمة التي اعتبرها من غرر الشعر العربي ، ولو وضعت كتابا عن أجمل مائة قصيدة عربية لاعتبرتها واحدة منها : ما على ظني باسُ يجرح الدهر وياسو ولقد ينجيك إغفال ويرديك احتراسُ ولكم أجدى قعود ولكم أكدى التماس وكذا الحكم إذا ما عزّ ناس ذلّ ناس إن يكن عهدك وردا إن عهدي لك آس فأدر ذكري كأسا ما امتطت كفك كاس واغتنم صفو الليالي إنما العيش اختلاسُ وهذه قصيد لا ينظمها إلا شاعر عرف الحياة وذاق حلوها ومرها وتقلب بين العذاب والنعيم ، فهو تبوأ منصب الوزارة ثم تآمر عليه القوم فسجن ، وفي هذا الشعر نوع من إرسال المثل فكل بيت يصلح لأن يكون مثلا سائرا ، وذلك مثل قول المتنبي : ليس التكحل في العينين كالكحل ، وفيها من أبواب البلاغة : الطباق من مثل : " يجرح الدهر وياسو " وإغفال واحتراس ، وقعود والتماس وعزّ وذلّ ، وأجدى وأكدى تعني كدت الأرض أبطا نباتها والكادي البطيء الخير من الماء ، وأصله من الكدية وهو حجر يظهر في البئر ويمنع الحفر ، وفي التنزيل الكريم : " وأعطى قليلا وأكدى " وقيل إنها نزلت في أبي جهل ، والفرق بين الورد والآس : أن عمر الورد قصير وعمر الآس طويل ، ويقول أبو دلف يمدح طاهر بن الحسين : أرى ودكم كالورد ليس بدائم ولا خير فيمن لا يدوم له عهد وحبي لكم كالآس حسنا ونضرة له زهرة تبقى إذا فني الورد أما الكأس فهي كناية عن صفو الحياة ، ثم تأمل هذا البيت وهو مسك الختام : واغتنم صفو الليالي إنما العيش اختلاسُ