"عش نذل تكون مستور" جملة كانت ترددها زميلتي كثيرا لنكمل معها ضحكنا على هذه الكلمات التي تبدو وكأنها مسروقة من فيلم مقاولات أو من شفاه إحدى الشخصيات الكاريكاتيرية التي تطالعنا في المسلسلات. كنا بعدها نتحدث عن "النذالة" وعن الأسباب التي تجعل هذا أو ذاك يفضلون أن يتعاملوا مع الآخرين بمبدأ: " كن نذلا أولا ثم إنسانا ثانيا". كبرنا، ولعل كلا منا مرت بتجارب كثيرة وتعرضت لمواقف كشفت الجانب "النذل" في شخص ما مررنا به أو عرفناه، ورغم أننا عشنا تجارب متنوعة يفترض أنها روضتنا وجعلتنا لا نندهش حين يفاجئنا تصرف أو حين نصدم بكلام لم نتوقع سماعه أو حين تخرج المواقف أسوأ ما في الآخرين، إلا أننا مازلنا نملك الدهشة ومازال الآخرون يملكون أن يفاجئونا بتصرفاتهم. وأنا هنا لا أتحدث عني وعن زميلات المدرسة، بل أتحدث عنا جميعا، فكم مرة همست في إذن صديق قائلا: "لم أتوقع مثل هذا التصرف" وكم مرة قلت لأختك منفجعة وأنت تصفين لها تفاصيل موقف مررت به قائلة: "كيف يمكن أن يحدث هذا؟ وأن يحدث هذا من شخص أعرفه حق المعرفة" وفي كل مرة أنتم تعبرون عن دهشتكم من هؤلاء الآخرين الذين تكشّف لكم جانب عنهم لم تشاهدوه من قبل. وحتى حين نتحدث عن الأشخاص الذين نكره بعضا من تصرفاتهم والذين يمكننا أن نقول إننا شاهدنا منهم ما لا نحب فإنهم يملكون مفاجأتنا. فكما يفاجئك البعض بقدرتهم على العطاء في المقابل يفاجئك البعض الآخر بقدرتهم على إيذاء الآخرين، وكأنهم حريصون على أن يدهشوك دائما في تقنين نوعي لكل ما تصنفه من التصرفات على أنه غير محبب أو قبيح أو مفجع. قد تكون ساذجا حين تتوقع أن "للنذالة قوانين" وأن البعض قد يتوقف فجأة، ليفكر ويعيد حساباته، لكنك تفاجأ بأن البعض قد ينشغل بتصفية حسابات سخيفة حتى في أكثر المواقف التي يفترض أنها تستفز إنسانيتهم بدلا من نذالتهم. هل للنذالة قوانين؟ بمعنى هل يمكن للشخص الذي يمارس النذالة بشكل يومي أن يتوقف أن يفكر في أن يراجع نفسه لأن الموقف يستدعي أن يستحضر شيئا من الطيبة المختفية داخله وشيئا من الانسانية التي تركها مختفية تحت كم من الغبار؟ بمعنى هل هناك حدود للنذالة؟ هل هناك خط أحمر يجب أن يتوقف عنده من يتبنون النذالة كجزء دائم من طباعهم؟ لكن من قال إن للنذالة قوانين؟!