في وسط هذا الكم الهائل من الشعراء لا يمكن للموهبة وحدها أن تلفت الأنظار إلى الشاعر المبدع، أو أن تمحنه من الضوء الإعلامي ما يتناسب مع طموحه، ومن الشعراء الشباب المبدعين الذين أدركوا هذه الحقيقة منذ دخولهم لساحة الشعر الشعبي الشاعر خلف المشعان، وقد دفعه هذا الإدراك إلى محاولة التجديد والتحريب واستخدام العديد من الأدوات الفنية التي يعتقد بأنها ستسهل مهمته في الوصول لقلوب المتلقين، ولكن هذه المحاولات رغم جرأتها ومجازفة الشاعر بها تشعر المتلقي في كثير من الأحيان بالتصنع - الذي ينفيه الشاعر عن نفسه في البيت الذي صدرنا به هذا المقال - والتكلف في بناء القصيدة، والأمثلة كثيرة على ذلك، ففي قصيدة (2002/2/3م) يقول المشعان: واحد.. ثلاثة.. أربعة.. خمسة.. اثنين غلط.. غلط تعال رتب معايه اثنين.. واحد.. اربعة.. خمسة الفين بعد غلط.. إرجع معي من البداية طيب ثلاثة.. واحدة ألفين واثنين أيوه كذا توك عرفت الحكاية! فمن يقرأ هذه القصيدة لن يعرف ما هي الحكاية، وستنتهي القصيدة دون أن يفهم عن ماذا يتحدث المشعان، بل وسيتعجب من تضمن ديوان المشعان الأول (غيوم التعابير) لهذه القصيدة على حساب روائع كثيرة أبدعها المشعان، وكذلك يجد المطلع على تجربة المشعان العديد من القصائد التي تتسم بالتكلف، كتلك القصائد التي كتبها الشاعر بلهجات عربية كاللهجة السورية واللهجة العراقية. ومع أن للمشعان العديد من القصائد التي ينتقد فيها الشعراء الذين انتجهوا أسلوب التعقيد والغموض في الشعر باسم الحداثة، إلا أنه يقع في نفس المأخذ الذي وقع فيه أولئك الشعراء، فإذا كان قد نجح بشكل كبير في قصائد مثل: (كهرمانة) التي استخدم فيها أسلوب النقد الساخر، أو (شكسبير) التي تميل إلى النقد الواضح والمباشر، فإن قصيدة ك (فلم كرتون) تعد من أٍقل قصائد المشعان قيمة فنية، إذ يلجأ فيها إلى التعقيد كنوع من الاستدلال أو ضرب المثل على الشعراء الذين يستسهلون الشعر ويعقدونه، ولكنه يأتى بقصيدة تفوق في تعقيدها وركاكتها أسوأ القصائد، يقول المشعان في بعض أبياتها: إذا هي بس على وزن وقوافي وأربعة أبيات تعال أجمع لك الأربع مع أربع واسمع الآتي: رقم واحد مثل وعر الطريق اللي إلى ايلات أبعقد حبل معناها وحاول تفهم أبياتي رقم عشره مثل سبعه بس التسعة ثقافة شات ورقم اثنين تصحيح لخطأ تاريخ كرواتي تجي سته قبل خمسة وتدخل في رياضيات جذر تسعه.. ثلاثه ضرب أس اثنين مولاتي فهذه القصيدة التي يطالب المشعان في نهايتها بكتابة قصائد تعبر عن ذات الشاعر وتحمل مشاعره وأحاسيسه لا تضيف شيئاً إلى تجربته الشعرية، لا سيما وأن له العديد من القصائد التي تعالج ذات الموضوع وبأسلوب أجمل وأكثر شعرية. ولو تأملنا في تجربة المشعان الشعرية لوجدنا العديد من القصائد التي استثمر فيها التلاعب اللفظي وبعض الأساليب البديعية التي تدخل ضمن مفهوم صناعة الشعر، ولكن استثماره لها كان بحذر واتقان أكبر من القصائد التي أشرنا إليها قبل قليل، واستطاع أن يبدع من خلالها قصائد جميلة تحمل روح الشعر، فعلى سبيل المثال يقول في قصيدة (نعم مجنون): أخاف إنك تخاف إني أخاف من البشر ما اجيك وأنا خايف عليك وحكيهم ما كان خافيني إذا كان الكلام اللي يقولونه علي يرضيك فأنا ما ارضى عليك وكيف حكي فيك يرضيني؟ أنا ماأقدر على فراقك ولا ودي معاي أبليك وأنا بلياك من ربي كلام الناس باليني أعرف إنك تعرف إني أحبك ما بها تشكيك ولكنك بنفس الوقت تنسى إنك نظر عيني أنا ما اسمع بهالدنيا لأمك نفسها تأذيك عشان اسمح لمن وده يفرق بينك وبيني ومن القصائد التي أجاد فيها أيضاً قصيدة (ما يفك الراس): يا بعد روح القصيد ويا بعدهم لا تخاف ما يفك الراس والله غير من هو ركبه ما خبرت الحب سر وحبنا ما هو اكتشاف هي حلاة العشق أصلاً لا غدى ينشك به أنت لي بحر القصيد اللي قطعته باحتراف يوم غيري جا يغوص وضاع فيه وعك به دامني في وسط قلبك ما على قلبك خلاف لا تخاف وهاك قلبي يا بعدهم تك به اعتكف في وسط قلبي عن حسدهم اعتكاف واحرسه عن كل هم قبل اعرفك دك به من ورى حدب المحاني لا تشوف ولا تشاف لا حدن يحتك فيك ولا حدن تحتك به ختاماً أقول بأن الشاعر خلف المشعان وبرغم ما ذكرته في بداية المقال يظل من أبرز الشعراء الشباب، وأكثرهم تمكناً وتصرفاً في أغراض الشعر، ولكن جرأته وشغفه الكبير بالتجريب وإبداع الجديد أسهم في تأرجح مستوى قصيدته بين قاع الرداءة وقمة الإبداع.