قضى أبناؤنا الطلبة أيامًا من الراحة والاسترخاء خلال إجازة عيد الأضحى المبارك، وهي فترة جاءت في توقيت حساس قبيل بداية الاختبارات النهائية، ما جعل العودة إلى مقاعد الدراسة تحمل في طياتها الكثير من التحديات النفسية والذهنية، خاصة في ظل الانتقال المفاجئ من أجواء الراحة والترويح إلى أجواء التركيز والانضباط. الإجازة، رغم أنها مطلب صحي وتجديدي لكل طالب ومعلم، إلا أن توقيتها هذا العام وضع الطلاب أمام معادلة صعبة، فبعد استرخاء الأيام المعدودة، يجد الطالب نفسه في مواجهة أوراق الامتحان دون فرصة كافية للتهيئة أو الاستعداد التدريجي، وهو ما قد يسبب قلقًا لدى البعض، وتراجعًا مؤقتًا في مستوى التركيز لدى البعض الآخر، لكن، وفي ظل هذه الظروف، يجب ألا تكون العودة إلى جو المذاكرة والاختبارات صدمة مؤلمة أو عبئًا نفسيًا، بل مسؤولية مشتركة بين الطالب وذويه. وهنا يبرز دور الأسرة في التهيئة النفسية وتخفيف الضغط، لا من خلال التذكير المتواصل بضرورة التفوق فقط، بل بتوفير أجواء منزلية مريحة ومحفزة، وتقديم الدعم العاطفي والتشجيع المتوازن، الهدوء الذي سبق هذه الفترة، وإن بدا هدوءًا مريحًا، إلا أنه كان أشبه بما يُعرف ب"الهدوء الذي يسبق العاصفة"، فهناك الكثير من التوترات المخفية خلف ستار تلك الأيام التي اتسمت بالزيارات الأسرية والأنشطة الترفيهية. ومن هنا، فإن العودة المفاجئة إلى نمط مختلف تتطلب تخطيطًا ومواكبة ذكية من الجميع، في المقابل، يقع على الطالب نفسه مسؤولية كبيرة تجاه مستقبله. إن إدراك أهمية المرحلة، ومواجهة التحديات بعقلية إيجابية، من شأنه أن يحوّل هذه "الانتقالة الحادة" من الراحة إلى الجهد، إلى محطة انطلاق جديدة، يعود فيها الطالب أكثر تركيزًا واستعدادًا. لا يمكن إنكار أن النفس البشرية تميل بطبيعتها إلى الكسل بعد الراحة، لكن النجاح دائمًا يأتي لأولئك الذين يعرفون كيف يستعيدون زمام المبادرة سريعًا، وكان من المقترح، كما تطالب بعض الأصوات التربوية، أن يُمنح الطلاب أسبوعًا دراسيًا كاملاً بعد الإجازة، بغرض إعادة التهيئة النفسية والتعليمية قبل بدء الاختبارات مباشرة، وهو مقترح يحمل بعدًا تربويًا وإنسانيًا، إذ لا يجب أن يُنظر للطالب على أنه آلة تستجيب بمجرد التشغيل، بل هو كيان نفسي وعقلي يحتاج إلى التدرج، خاصة في مراحل التعليم العام، ورغم كل هذه المعطيات، فإن العبرة ليست فيما مضى، بل في كيفية الاستفادة من الوقت المتبقي. فكل ساعة تبدأ من الآن يمكن أن تكون فارقة في تحديد نتيجة الطالب، ليس فقط من حيث الدرجات، بل من حيث الثقة بالنفس والشعور بالإنجاز. وهذا لا يتحقق إلا من خلال خطة مراجعة مدروسة، واستثمار ذكي للوقت، وتنظيم النوم، والابتعاد عن مصادر التشويش الذهني، وعلى رأسها الأجهزة الذكية، ولا ننسى دور المعلمين والإدارات المدرسية، التي يجب أن تدرك أن الطالب العائد من إجازة طويلة قد يحتاج إلى دفعة تحفيزية، وليس إلى ضغط إضافي، التشجيع، والابتسامة، وتقديم الدعم الأكاديمي والنفسي، هي وسائل لا تقل أهمية عن الاختبارات نفسها، فهي من تصنع الفرق بين طالب يؤدي باجتهاد وطالب يؤدي تحت وطأة القلق، وفي هذا السياق، نُهنئ معالي وزير التعليم على تفوّق أبنائنا وبناتنا في مختلف المحافل، ونُثني على حرصه الدائم في تعزيز فرص التميّز والنجاح، وتوجيهه المستمر نحو الارتقاء بالمستوى التعليمي، محليًا ودوليًا، حيث حقق شباب الوطن حضورًا مشرفًا وتفوقًا عالميًا في ميادين متعددة، ما يعكس ثمار السياسات التعليمية الطموحة التي يقودها، وفي الختام، فإن اجتياز فترة الاختبارات بعد إجازة ممتدة ليس تحديًا للطالب فقط، بل هو اختبار للأسرة، وللمنظومة التعليمية ككل. والناجح الحقيقي هو من يستطيع أن يحوّل هذا التحدي إلى فرصة، وأن يثبت لنفسه أولًا أنه قادر على التكيّف وتحقيق الإنجاز مهما كانت الظروف، ومع اقتراب نهاية العام الدراسي، نسأل الله التوفيق والنجاح لأبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات، وأن يكون ختامه مسكًا بما يُثلج صدور أسرهم، ويكلل جهودهم بالتميز والتفوق. كما لا يفوتنا أن نرفع أسمى عبارات الشكر والتقدير لمعلمين ومعلمات أفنوا أوقاتهم في غرس العلم، وللإداريين والإداريات الذين كانوا السند التنظيمي طوال العام، وكذلك لإدارات التعليم التي قدّمت الدعم والمتابعة لضمان بيئة تعليمية مستقرة وآمنة لأبنائنا. جهود تستحق الإشادة والامتنان، فلكم جميعًا منا التحية والدعاء بمزيد من العطاء والنجاح.