لا تكاد تخلو الصحف أو البرامج التلفزيونية هذه الأيام من حديث عن المرأة، فهي موضوع الساعة، وهو أمر إيجابي ينبئ عن اهتمام بنصف المجتمع الذي تحيط به مشكلات كثيرة سيؤدي التعامل معها بموضوعية وانفتاح إلى حل أزمات يعاني منها المجتمع. إلا أن الملاحظ - باستثناء كتابات ومناقشات واعية وعميقة - أن النمطية والسطحية والمغالطات تظهر في أسلوب الطرح عند الكثير ممن يتناولون قضايا المرأة، فمن تمجيد واحتفاء بأي إنجاز قدمته وهو ما قد لا ينفع المرأة، أو استعراض لما أتيح لها من فرص في مجال التعليم والعمل وهو أسلوب يكرس النظرة الدونية للمرأة باعتبار التعليم والعمل امتيازاً منح لها،.. أو إلقاء الضوء على نجاحات فردية بهدف ذر الرماد في العيون، مثل أول قائدة طائرة.. أول رياضية.. أول مهندسة، أو ذكر أسماء لامعة حققت إنجازات في المجال الاقتصادي أو الخيري.. وغيره، مقابل الآلاف من النساء المسحوقات الفقيرات والمحرومات من أبسط الحقوق المادية والاجتماعية..، وهناك أيضا الربط بين مسألة المرأة، والعلاقة مع الغرب،.. أو التذكير بحقوق المرأة التي أقرها الإسلام متناسين الممارسة الواقعية، أو تصوير الوصاية والرقابة على المرأة بأنهما حماية لها وخوف عليها لأنها جوهرة مكنونة..، ويعبر البعض عن عقدة نفسية دفينة اسمها المرأة، فهي مجرد جسد يغوي وخطر يهدد الأخلاق تحتاج إلى ضبط ورقابة (والأدلة من الواقع كثيرة، فحركتها مقيدة لمجرد أنها امرأة وهي تبعد حتى في الأماكن التي تعمل فيها بوجود رجال.. فيحظر عليها التجول في بعض المواقع، ووفق تعليمات صريحة تجرم إذا تجاوزتها لأي سبب) ومقابل هؤلاء هناك لجاجة في المطالب وتشنج في تناول الموضوع، وانشغال مستمر بإثبات أن المرأة لا تقل عن الرجل بل تفوقه مما يُخشى أن يستفز الرجل، فتأتي النتيجة عكسية لا تخدم مصلحتهما معاً. والواقع أن هناك حقائق لابد من الوقوف عندها والاعتراف بها، ومن السذاجة إنكارها وهي: - توجهات المجتمع فيها تشدد تجاه المرأة، وهناك ثقافة شارك في تكوينها الرجل والمرأة عبر أساليب التربية تهمش المرأة، ومن ناحية أخرى تحملها مسؤولية الشرف والأخلاق واستضعافها هو وراء تحميلها هذه المسؤولية. - المرأة ليست جوهرة، بل إنسانة لها عقل وإرادة تعمل وتكدح ولديها قدرة على التحمل والصمود واتخاذ القرار وليس في آثارنا الدينية ما يعتبرها شيئا يجب أن يخفى إلا ما ورد عن ضرورة العمل معها برفق، ولابد من تربية الفتى على التهذيب والتحكم بالغرائز فالحل ليس في إخفاء وتغييب المرأة. - العمل حق من حقوقها ولها أن تختار بين أن تعمل أو لا تعمل. - المرأة وهي تؤدي واجباتها في منزلها بحب وإخلاص تقدم نموذجاً رائعاً للعمل، ولابد من الالتفات إلى النساء المتفانيات في بيوتهن والتركيز على دورهن. - عمل المرأة خارج المنزل لا يعني بالضرورة إهمالها لبيتها، وبقاؤها في المنزل لا يعني أنها تقوم بواجبها. - المرأة الضعيفة المقهورة تضعف أسرتها ومجتمعها. إن بناء مجتمع متوازن في الحقوق والواجبات يتطلب التعامل مع موضوع المرأة برؤية واقعية.. منصفة.. متطورة ومن منطلق إنساني يخدم المرأة والرجل، بعيداً عن الاحتفاليات والمبالغات والعُقد النفسية والمقارنات بالغرب، وبحلول عملية وشجاعة طبقاً لما يريده الدين لا وفق تفسيرات مبنية على المصالح والأهواء وضيق الأفق، فالرجل والمرأة مواطنان لهما كامل الحقوق والواجبات، وهما محاسبان أمام الله ومجازيان بالثواب والعقاب نفسه..