يُعد باب مكة أحد أبرز المعالم التاريخية في مدينة جدة التاريخية، وأحد الأبواب الرئيسة التي كانت تشكّل مداخل سور جدة القديم، قبل إزالته في منتصف القرن العشرين، ولم يكن باب مكة مجرد مدخل عمراني، بل كان بوابة اقتصادية واجتماعية وروحية، ارتبط اسمه بالحج والتجارة وحركة الناس بين الساحل والداخل، ويحمل باب مكة دلالته من موقعه الجغرافي ودوره التاريخي، إذ كان المنفذ الشرقي للمدينة، الذي تعبر منه القوافل المتجهة إلى مكةالمكرمة، سواء من الحجاج القادمين عبر ميناء جدة أو من التجار الذين حملوا البضائع القادمة من البحر الأحمر إلى أسواق الحجاز. ومن هنا، تحوّل الباب إلى نقطة عبور حيوية، تلتقي عندها الثقافات واللغات والسلع، في مشهد يعكس مكانة جدة بوصفها بوابة الحرمين الشريفين. تاريخيًا، أُنشئ باب مكة ضمن منظومة سور جدة الذي شُيّد لحماية المدينة من الغزوات، وضم عددًا من الأبواب الشهيرة مثل باب شريف وباب المدينة وباب جديد. وكان لكل باب وظيفة محددة، غير أن باب مكة تميّز بكونه الأكثر ازدحامًا وحيوية، نظرًا لارتباطه المباشر بموسم الحج وحركة القوافل المستمرة على مدار العام. وعمرانيًا، كان الباب يتكوّن من بناء حجري متين، تتخلله فتحات للمراقبة، ويُغلق عند المساء وفق نظام أمني دقيق، بينما تنتشر حوله الأسواق والخانات والمقاهي الشعبية. وقد أسهم هذا الامتداد التجاري في تشكّل نسيج اجتماعي متنوع حول الباب، حيث استقر التجار والحرفيون وأصحاب المهن المرتبطة بالحج، ما جعل المنطقة المحيطة به قلبًا نابضًا للمدينة القديمة. ومع إزالة سور جدة في عام 1947م، اختفى البناء الأصلي للباب، غير أن اسمه بقي حيًا في الذاكرة الجمعية، وتحول إلى رمز مكاني وتاريخي. واليوم، يشكّل موقع باب مكة أحد المداخل الرئيسة لمنطقة البلد، ويستقبل الزوار بوصفه نقطة انطلاق لاكتشاف البيوت التاريخية والأسواق القديمة، مثل سوق البدو وسوق العلوي. في سياق مشاريع إحياء جدة التاريخية، يحظى باب مكة باهتمام خاص، باعتباره شاهدًا على حقبة مفصلية من تاريخ المدينة.